وَالْخُبْزِ فَيَبِيعُهَا ثُمَّ يَدْفَعُ لَهُمْ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قَدْرًا مَعْلُومًا أَقَلَّ مِمَّا بَاعَ بِهِ، وَأَقُولُ: إِنْ كَانَ أَخْذُهُ لَهَا عَلَى جِهَةِ الشِّرَاءِ مِنْ أَرْبَابِهَا فَهَذَا اشْتِرَاءٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ لِمَا لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، فَحُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ حُكْمُ الْمَبِيعِ الْفَاسِدِ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ مِنَ النُّقُودِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةٍ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ أَرْبَابِهَا فِي الْبَيْعِ فَهُوَ وَكِيلٌ يُجْعَلُ فَبَيْعُهُ وَقَبْضُهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ إِنْ جُعِلَ ثَمَنُ نَصِيبِ كَلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَخْلِطْهُ بِغَيْرِهِ وَلَا تَصَرَّفَ فِيهِ دَفَعَهُ إِلَيْهِ بِرُمَّتِهِ، وَلَهُ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي شَرَطَ لَهُ كَالثُّلُثِ مَثَلًا، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِالتَّصَرُّفِ، فَالْقَدْرُ الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ وَالْبَاقِي يَدْفَعُهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ خَلَطَهُ ضَمِنَهُ أَيْضًا بِمِثْلِهِ.
فَرْعٌ: مِنْ فَتَاوَى ابن الصلاح، سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَبْلَغٍ مِنَ الْفُلُوسِ فِي الذِّمَّةِ فَانْعَدَمَ النُّحَاسُ فَهَلْ يُرْجَعُ إِلَى قِيمَةِ الْفُلُوسِ بِقِيمَةِ الْبَلَدِ الَّذِي عَقَدُوا النِّكَاحَ فِيهِ أَمْ بِقِيمَةِ الْبَلَدِ الَّذِي تُطَالِبُ فِيهِ؟ فَأَجَابَ: لَا يُرْجَعُ إِلَى قِيمَتِهَا أَصْلًا كَمَا لَا يُرْجَعُ إِلَى قِيمَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا الرُّجُوعُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِالْفَسْخِ أَوِ الِانْفِسَاخِ.
وَهَذِهِ فَوَائِدُ نَخْتِمُ بِهَا الْكِتَابَ:
الْأُولَى: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إِبْطَالُ الْمُعَامَلَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا أَخْرَجَهُ أبو داود عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ( «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُكْسَرَ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْجَارِيَةُ بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَأْسٍ» ) .
الثَّانِيَةُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ كعب قَالَ: أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» ) وَلِأَنَّ فِيهِ إِفْسَادًا لِلنُّقُودِ وَإِضْرَارًا بِذَوِي الْحُقُوقِ وَغَلَاءَ الْأَسْعَارِ، وَانْقِطَاعَ الْأَجْلَابِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِمَامِ، وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِئَاتًا عَلَى الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ يَخْفَى فَيُغْتَرُّ بِهِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْإِمَامِ.
الرَّابِعَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْغِشُّ وَالْإِفْسَادُ.
الْخَامِسَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: مَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إِمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا، قَالَ القاضي أبو الطيب: إِلَّا إِذَا كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ