وَلَا تَوَجُّهِ دَعْوَى، فَاسْتَغْرَبَ ذَلِكَ فَأَرْسَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي مِثْلِ هَذَا وَنَحْوِهِ، وَقَدْ حَكَمَ الشَّيْخُ تقي الدين السبكي نَظِيرَ هَذَا الْحُكْمِ وَأَبْلَغَ مِنْهُ وَأَلَّفَ فِيهِ مُؤَلَّفًا فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِمُؤَلَّفِ السبكي فِي ذَلِكَ فَحَكَمَ بِمَنْعِ الْبُرُوزِ فِي الرَّوْضَةِ مَنْعًا مُطْلَقًا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ وَنَفَّذَ هَذَا الْحُكْمَ قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنْبَلِيُّ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ الْمَالِكِيُّ، وَأَرْسَلْتُ بِذَلِكَ وَبِهَذَا الْمُؤَلَّفِ إِلَى الْمَقَامِ الشَّرِيفِ مَوْلَانَا السُّلْطَانِ فَأَحَاطَ بِذَلِكَ عِلْمًا وَتَوَعَّدَ أَهْلَ الْبُرُوزَاتِ مَنْعًا وَهَدْمًا، وَقَدْ خَتَمْتُ هَذَا الْمُؤَلَّفَ بِقَصِيدَةٍ نَظَمْتُ فِيهَا الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّ النَّظْمَ أَيْسَرُ لِلْحِفْظِ وَأَسَيْرُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَسَمَّيْتُهَا: (النَّهْرُ لِمَنْ بَرَزَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ) وَهِيَ هَذِهِ:
بَدَأْتُ بِبَسْمِ اللَّهِ فِي النَّظْمِ لِلشِّعْرِ
... وَأُثَنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ
وَصَلَّى إِلَهُ الْعَرْشِ مَا ذُكِرَ اسْمُهُ
... عَلَى الْمُصْطَفَى الْمَبْعُوثِ لِلسُّودِ وَالْحُمْرِ
وَهَاتِيكَ أَبْيَاتًا يُضَاهِي قَرِيضُهَا
... إِذَا مَا رَأَى الرَّاؤُونَ بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّي
فَمُسْنَدُهُ لِابْنِ الْفُرَاتِ عُذُوبَةً
... وَبَهْجَتُهُ الزَّهْرَاءُ تُعْزَى إِلَى الزُّهْرِي
وَأَلْفَاظُهُ تَحْكِي عَنِ الْمَاءِ رِقَّةً
... وَفِيهِ مَعَانٍ كُلُّهَا عَنْ أَبِي بَحْرِ
شَذَاهُ إِلَى الْآفَاقِ طَارَ فَعَرْفُهُ
... وَتَحْلِيقُهُ فِي الْجَوِّ كَالْوَرْدِ وَالنَّسْرِ
وَذَلِكَ فِي حُكْمٍ مِنَ الشَّرْعِ بَيِّنٌ
... يَفُوقُ السَّنَى الْبَدْرِيَّ فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ
بِهِ قَالَ أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ كُلُّهُمْ
... وَكُلُّ إِمَامٍ قُدْوَةٍ عَالِمٍ حَبْرِ
لَقَدْ عَمَّتِ الْبَلْوَى بِأَمْرٍ مُحَرَّمٍ
... وَظَنَّ مُبَاحًا ذَاكَ كُلُّ امْرِئٍ غُمْرِ
فَفِي رَوْضَةِ الْمِقْيَاسِ جَارٍ بُرُوزُ مَنْ
... أَرَادَ بِأَنْ يَسْطُوَ عَلَى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
أَتَى فِي حَرِيمِ النَّهْرِ بَعْضُ بُرُوزِهِ
... وَسَائِرُهُ قَدْ حَلَّ فِي بُقْعَةِ النَّهْرِ
وَمَا قَالَ هَذَا قَطُّ فِي الدَّهْرِ عَالِمٌ
... وَلَمْ يَسْتَبِحْهُ فِي الْقَدِيمِ أُولُو الْخِبْرِ
وَأَعْظَمُ مِنْ ذَا فِي الْبَلِيَّةِ مَنْ عَزَا
... إِبَاحَتَهُ لِلشَّافِعِيَّةِ بِالْقَسْرِ
وَمَا قَالَ هَذَا الشَّافِعِيُّ وَصَحْبُهُ
... وَلَا أَحَدَ مِنْ قَبْلُ أَوْ بَعْدَهُ يَدْرِي
يَمِينًا وَفَجْرٍ وَاللَّيَالِي بِعَشْرِهَا
... وَشَفْعٍ وَوَتْرٍ ثُمَّ لَيْلٍ إِذَا يَسْرِي
بَلِ النَّصُّ فِي كُتُبِ الْإِمَامِ وَصَحْبِهِ
... بِأَنَّ حَرِيمَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ إِذْ يَجْرِي
كِلَا ذَيْنِ لَا مِلْكَ عَلَيْهِ يَحُوزُهُ
... وَإِنَّ بِنَاءَ النَّاسِ فِيهِ أَخُو حَظْرِ
وَلَا جَازَ إِقْطَاعٌ لَدَيْهِ وَلَا انْزَوَى
... إِلَى مِلْكِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا لِمَنْ يَشْرِي
وَمَنْ فِيهِ يَبْنِي فَلْيُهَدَّ بِنَاؤُهُ
... وَنَنْسِفُهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا عَلَى قَدْرِ