مَسْعُودٍ، وابن الزبير، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَغَيْرِهِمْ سَلَفًا وَخَلَفًا، قَوْلًا وَفِعْلًا، وَلَا نَصَّ فِي مَذْهَبِنَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إِلَّا قَوْلَهُمْ: إِنَّهُ لَا تَعْزِيرَ بِإِتْلَافِ الْمَالِ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَخْصُوصَةٌ لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ لَا يَكْسِرُ آنِيَةَ الْخَمْرِ وَالْأَوَانِيَ الْمُثَمَّنَةَ إِذَا كَانَ فِيهَا صُورَةٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَعَلِمَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إِتْلَافُهُ طَرِيقًا لِإِزَالَةِ الْفَسَادِ، وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ بِإِيضَاحِهِ يَسْتَدْعِي طُولًا، وَقَدْ بَسَطْتُهُ فِي التَّأْلِيفِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى التَّعْزِيرِ فِيهَا، وَلَمْ يَنُصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى خِلَافِهِ، وَلَا فِي قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا مَا يَنْفِيهِ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ، وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَصْلُحُ أَصْلًا فِي الْمُسَالَةِ، وَتَقْرِيرُ السبكي لَهُ وَإِيضَاحُهُ زَادَهُ بَيَانًا وَحُسْنًا، وَسَأَتَتَبَّعُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي كُتُبِهِمْ فِي الْفِقْهِ وَشُرُوحِهِمْ لِلْحَدِيثِ مَا أَرَاهُ مُقَوِّيًا لِذَلِكَ فَأَذْكُرُهُ.
فَصْلٌ
قَالَ الرافعي فِي الشَّرْحِ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ: فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِنَاءٌ تَامٌّ بِتَفْصِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكُفْرِ، وَأَكْثَرُهَا مِمَّا يَقْتَضِي إِطْلَاقَ أَصْحَابِنَا الْمُوَافَقَةَ عَلَيْهِ، فَنَذْكُرُ مَا يَحْضُرُنَا فِي كُتُبِهِمْ، ثُمَّ سَرَدَهَا الرافعي وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَتَعَقَّبَا جُمْلَةً مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ الرافعي، وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ سَرْدِهَا: وَهَذِهِ الصُّوَرُ تَتَبَّعُوا فِيهَا الْأَلْفَاظَ الْوَاقِعَةَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَأَجَابُوا فِيهَا اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا بِمَا ذُكِرَ، وَمَذْهَبُنَا يَقْتَضِي مُوَافَقَتَهُمْ فِي بَعْضِهَا، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ اللَّفْظِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنَ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحٌ فِيمَا قَرَّرْنَاهُ مِنَ الْفَتْوَى، بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَذَاهِبِ بَقِيَّةُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ عِنْدَنَا، وَلَا فِي قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا مَا يَنْفِيهِ.
ثُمَّ قَالَ النووي فِي الرَّوْضَةِ: مِنْ زَوَائِدِهِ عَقِبَ ذَلِكَ. قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عياض فِي آخِرِ كِتَابِ الشِّفَا جُمْلَةً مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ غَيْرَ مَا سَبَقَ نَقْلُهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ، أَكْثَرُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَلُخِّصَ مَا فِي الشِّفَا مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنَ النووي عَيْنُ مَا جَنَحْنَا إِلَيْهِ، بَلْ هُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِعَيْنِهَا.
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا للرافعي فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ: رُؤْيَتِي إِلَيْكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ. زَادَ النووي قُلْتُ: الصَّوَابُ إِنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، وَهَذِهِ إِحْدَى الصُّوَرِ الَّتِي سَاقَهَا الْقَاضِي عياض فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ، فَإِذَا كَانَ فِيهَا قَوْلٌ بِالتَّكْفِيرِ فَلَا أَقَلَّ مِنَ التَّعْزِيرِ إِذَا لَمْ يُكَفَّرْ.
فَصْلٌ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: ثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا مغيرة عَنْ إبراهيم قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَنَاوَلُوا مِنَ الْقُرْآنِ عِنْدَمَا يَعْرِضُ مِنْ أَحَادِيثِ الدُّنْيَا، قِيلَ لهشيم نَحْوَ قَوْلِهِ: