وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ: ثَنَا سليمان بن داود، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أبي إسحاق قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا ابن الزبير {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} الحجرات: 11 صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعٌ صَاعٌ.
فَصْلٌ: وَأَمَّا الِاقْتِبَاسُ فِي الشِّعْرِ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِنَا مَعَ شُيُوعِهِ فِي أَعْصَارِهِمْ، وَاسْتِعْمَالِ الشُّعَرَاءِ لَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَسُكُوتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمُ نَصِّهِمْ عَلَى تَحْرِيمِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْهُ جَائِزًا كَضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَالِاقْتِبَاسِ فِي النَّثْرِ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ اسْتَعْمَلُوهُ فِي شِعْرِهِمْ، قَالَ الشيخ تاج الدين السبكي فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ الْأُسْتَاذِ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي أَحَدِ كِبَارِ الْأَصْحَابِ وَأَجِلَّائِهِمْ، مِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
يَا مَنْ عَدَا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ
... ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ
أَبْشِرْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِي آيَاتِهِ
... إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ
قَالَ ابن السبكي: اسْتِعْمَالُ مِثْلِ الْأُسْتَاذِ أبي منصور مِثْلَ هَذَا الِاقْتِبَاسِ فِي شِعْرِهِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ جَلِيلُ الْقَدْرِ وَبَعْضُ النَّاسِ بَحَثَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا الْأُسْتَاذُ أبو منصور مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا، وَأَسْنَدَ عَنْهُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ الْأُسْتَاذُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ، وَهُمَا حُجَّةٌ فِي جَوَازِ مِثْلِ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: أَنْشَدَنَا أحمد بن محمد بن يزيد لِنَفْسِهِ:
سَلِ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَاتَّقِهِ
... فَإِنَّ التُّقَى خَيْرُ مَا يُكْتَسَبُ
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
... وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
فَإِسْنَادُ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا الشِّعْرَ وَتَخْرِيجُهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ الْجَلِيلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا الْإِمَامُ الرافعي، وَنَاهِيكَ بِهِ إِمَامَةً وَجَلَالَةً وَوَرَعًا، فَقَالَ وَأَنْشَدَهُ فِي أَمَالِيهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ:
الْمُلْكُ لِلَّهِ الَّذِي عَنَتِ الْوُجُو
... هُ لَهُ وَذَلَّتْ عِنْدَهُ الْأَرْبَابُ
مُتَفَرِّدٌ بِالْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ قَدْ
... خَسِرَ الَّذِينَ يُحَارِبُوهُ وَخَابُوا
دَعْهُمْ وَزَعْمَ الْمُلْكِ يَوْمَ غُرُورِهِمْ
... فَسَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ
وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا شيخ الشيوخ الحموي، وابن الوردي وَجَمْعٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ آخِرُهُمُ الحافظ ابن حجر، وَلَمَّا أَنْشَأَ شَيْخُنَا الشهاب الحجازي كِتَابَهُ فِي اقْتِبَاسَاتِ الْقُرْآنِ