بَابِ خِطَابِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فصلت: 11 . وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْعَرْشَ اسْتَوَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْرِيَ بِإِذْنِهِ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ. فَقَوْلُهُ: بِإِذْنِهِ ; أَيْ بِقُدْرَتِهِ، أَيْ أَوْجَدَ الْكِتَابَةَ فِي اللَّوْحِ بِمَرِّ الْقَلَمِ عَلَيْهِ بِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِدْخَالُ بَاءِ الْآلَةِ عَلَيْهِ وَإِسْنَادُ كَتَبَ إِلَى اللَّهِ، صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَلَمَ آلَةٌ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُ السَّائِلِ: وَكَيْفَ أَخَذَ الْمَلَكُ الْوَحْيَ مِنَ اللَّوْحِ. . . إِلَى آخِرِهِ؟
جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَثَرِ كعب وَشِبْهِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَهَلْ تَنَامُ الْمَلَائِكَةُ؟ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} الأنبياء: 20 أَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ.
وَقَوْلُهُ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} النجم: 10 إِلَى آخِرِهِ، مِنْ جُمْلَةِ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَرْضُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِبَيَانِهِ.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كَلِمَةٍ بِقَدْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَالِاشْتِغَالَ بِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْقُرْآنِ، يَعْنِي التِّلَاوَةَ وَالذِّكْرَ، مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَفْضَلُ كَلِمَةٍ قُلْتُهَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» "، فَهَلْ مَا يَقُولُ مُسْتَقِيمٌ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» "؟ وَأَيْضًا فَالْقُرْآنُ تَحْرُمُ تِلَاوَتُهُ عَلَى الْجُنُبِ وَمَسُّهُ عَلَى الْمُحْدِثِ، بِخِلَافِ الذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ.
الْجَوَابُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ جُمْلَةِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ، فَتَفْضِيلُهَا عَلَى بَقِيَّةِ كَلِمَاتِهِ مِنْ بَابِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، لَا مِنْ بَابِ تَفْضِيلِ غَيْرِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُرْآنِ.
مَسْأَلَةٌ: مَا كَيْفِيَّةُ مَا حُزِّبَ الْقُرْآنُ هَلْ هُوَ بَعَدِّ الْآيَاتِ أَمْ غَيْرِهَا؟
الْجَوَابُ: حُزِّبَ بَعْضُ الْحُرُوفِ لَا الْآيَاتُ وَلَا الْكَلِمَاتُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.