الصَّحِيحِ الَّذِي يَرْوِيهِ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ الَّذِي لَهُ رَاوِيَانِ، وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَبْلُغُ عَدَدُهَا عَشَرَةَ آلَافٍ.
الثَّانِي: الصَّحِيحُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى الصَّحَابِيِّ وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٍ.
الثَّالِثُ: أَخْبَارُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٍ.
الرَّابِعُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْأَفْرَادُ وَالْغَرَائِبُ الَّتِي يَرْوِيهَا الثِّقَاتُ الْعُدُولُ تَفَرَّدَ بِهَا ثِقَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ وَلَيْسَ لَهَا طُرُقٌ مُخَرَّجَةٌ فِي الْكُتُبِ.
الْخَامِسُ: أَحَادِيثُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ أَجْدَادِهِمْ وَلَمْ تَتَوَاتَرِ الرِّوَايَةُ عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ أَجْدَادِهِمْ بِهَا إِلَّا عَنْهُمْ.
وَأَمَّا الْأَقْسَامُ الْخَمْسَةُ الْمُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهَا:
فَالْأَوَّلُ: الْمُرْسَلُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
الثَّانِي: رِوَايَةُ الْمُدَلِّسِينَ إِذَا لَمْ يَذْكُرُوا سَمَاعَهُمْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ.
الثَّالِثُ: خَبَرٌ يَرْوِيهِ ثِقَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُسْنِدُهُ ثُمَّ يَرْوِيهِ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ فَيُرْسِلُونَهُ.
الرَّابِعُ: رِوَايَةُ مُحَدِّثٍ صَحِيحِ السَّمَاعِ صَحِيحِ الْكِتَابِ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ وَلَا يَحْفَظُهُ فَإِنَّ هَذَا الْقِسْمَ صَحِيحٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى الْحُجَّةَ بِهِ.
الْخَامِسُ: رِوَايَاتُ الْمُبْتَدَعَةِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّ رِوَايَاتِهِمْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَقْبُولَةٌ إِذَا كَانُوا صَادِقِينَ، قَالَ الحاكم: فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ ذَكَرْتُهَا لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، انْتَهَى.
إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْحَافِظِ ابن حجر: وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ، أَرَادَ بِهِ بَيَانَ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لَا مِنَ الْقِسْمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَقَصَدَ بِذَلِكَ تَكْمِلَةَ الْفَائِدَةِ، فَإِنَّ طَرِيقَتَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَطْلَقَ ثُبُوتَهُ، وَإِذَا كَانَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا الْكِتَابِ الْجَلِيلِ مِنْ نَفَائِسِ الصِّنَاعَةِ الْحَدِيثِيَّةِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْمُتَبَحِّرُ فِي الْفَنِّ كَمُؤَلِّفِهِ، فَلْيَحْذَرِ الْمَرْءُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّكَلُّمِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلْيُمْعِنْ فِي تَحْصِيلِ الْفَنِّ حَتَّى يَطُولَ بَاعُهُ وَيَرْسَخَ قَدَمُهُ، وَيَتَبَحَّرَ فِيهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي حَدِيثِ: «مَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . وَلَا يَغْتَرَّ بِكَوْنِهِ لَا يَجِدُ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، فَبَعْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ إِمَّا فِي الْقَبْرِ أَوْ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَاكَ يُخَاصِمُهُ وَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ تُجَازِفُ فِي حَدِيثِي وَتَتَكَلَّمُ فِيمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، فَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ شَيْئًا قُلْتَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَنْسِبَ إِلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْهُ، أَمَا قَرَأْتَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيَّ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} الإسراء: 36 فَيَا خَيْبَتَهُ يَوْمَئِذٍ وَيَا فَضِيحَتَهُ هَذَا إِنْ مَاتَ مُسْلِمًا وَإِلَّا عُوقِبَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ