قَالَ: «مَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ: نَعَمْ فَادْعُوا بِدَعْوَةِ اللَّهِ الَّتِي سَمَّاكُمْ بِهَا الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ» .
الدَّلِيلُ السَّابِعُ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} المائدة: 44 نَحْنُ نَحْكُمُ عَلَى الْيَهُودِ وَعَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ» ، هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمَ اخْتِصَاصَ الْإِسْلَامِ بِدِينِهِ.
الدَّلِيلُ الثَّامِنُ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} المائدة: 3 عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يَمْثُلُ لِأَهْلِ كُلِّ دِينٍ دِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا الْإِيمَانُ فَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَهُ وَيَعِدُهُمُ الْخَيْرَ حَتَّى يَجِيءَ الْإِسْلَامُ فَيَقُولُ: رَبِّ أَنْتَ السَّلَامُ وَأَنَا الْإِسْلَامُ» ، هَذَا مَوْقُوفٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ ; لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ يَخْتَصُّ بِهَذَا الدِّينِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ دِينٍ حَقٍّ كَمَا تَرَى حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَهْلِ الْأَدْيَانِ، وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ: " «هُوَ السَّلَامُ وَسَمَّى أُمَّتِي الْمُسْلِمِينَ» ".
الدَّلِيلُ التَّاسِعُ: مَا أَخْرَجَهُ أبو نعيم فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى شِعْيَا أَنِّي بَاعِثٌ نَبِيًّا أُمِّيًّا مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَمُهَاجَرُهُ طِيبَةَ عَبْدِي الْمُتَوَكِّلُ الْمُصْطَفَى، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالْإِسْلَامُ مِلَّتُهُ وَأَحْمَدُ اسْمُهُ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ الْإِسْلَامِ بِمِلَّتِهِ، وَهَذَا الْأَثَرُ أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الشِّفَا فِي كِتَابِهِ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَرَأَهُ وَسَمِعَهُ وَلَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أبي العالية قَالَ: بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَمِلَّةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ.
الدَّلِيلُ الْعَاشِرُ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: 78 هُوَ تَوْسِعَةُ الْإِسْلَامِ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَمِنَ الْكَفَّارَاتِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَمَا عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فِي أَنْ نَسْرِقَ أَوْ نَزْنِيَ؟ قَالَ: بَلَى، قِيلَ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: 78 ، قَالَ: الْإِصْرُ الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وُضِعَ عَنْكُمْ، هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ السَّهْلَةُ الْوَاسِعَةُ بِخِلَافِ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِصْرِ وَالضِّيقِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى إِسْلَامًا.