بَعْدِهِ، وَبَعْدُ كَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ، هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ تُسَمَّى يَهُودِيَّةً، وَشَرِيعَةَ الْإِنْجِيلِ تُسَمَّى نَصْرَانِيَّةً، وَلَا يُسَمَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِسْلَامًا.
الدَّلِيلُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} آل عمران: 20 هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ خَاصٌّ بِهَذَا الدِّينِ، وَإِلَّا لَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقُولُونَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: أَأَسْلَمْتُمْ؟ نَحْنُ مُسْلِمُونَ وَدِينُنَا إِسْلَامٌ.
الدَّلِيلُ السَّادِسَ عَشَرَ: مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي فِي حَقِّ وَرَقَةَ، وَكَانَ امْرَءًا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَوْ كَانَ الدِّينُ الْحَقُّ مِنْ مِلَّةِ عِيسَى يُسَمَّى إِسْلَامًا وَصَاحِبُهُ مُسْلِمٌ لَقَالَ: وَكَانَ امْرَءًا أَسْلَمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
الدَّلِيلُ السَّابِعَ عَشَرَ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وأبو الشيخ ابن حبان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: تَسَمَّتِ الْيَهُودُ بِالْيَهُودِيَّةِ بِكَلِمَةٍ قَالَهَا مُوسَى: " إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ "، وَتَسَمَّتِ النَّصَارَى بِالنَّصْرَانِيَّةِ بِكَلِمَةٍ قَالَهَا عِيسَى: " مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ "، فَتَسَمَّوْا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ سُمُّوا بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مِنْ عَهْدِ نَبِيِّهِمَا، وَلَمْ يُسَمَّوْا بِالْمُسْلِمِينَ قَطُّ، وَلَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ وَلَا عَنْهُمْ، فَكَيْفَ يُدَّعَى لَهُمْ وَصْفٌ شَرِيفٌ لَمْ يَدَّعُوهُ هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ؟
الدَّلِيلُ الثَّامِنَ عَشَرَ: مَا أَخْرَجَهُ أبو داود وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ تَكُونُ مِقْلَاةً لَا يَكَادُ يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَكَانَتْ تَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ " الْحَدِيثَ، هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ دِينَ مُوسَى الْحَقُّ كَانَ يُسَمَّى يَهُودِيَّةً لَا إِسْلَامًا.
الدَّلِيلُ التَّاسِعَ عَشَرَ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» سَمَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاحِدَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَلَمْ يُطْلِقْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ لَفْظَ الْإِسْلَامِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ لَا تُحْصَى.
الدَّلِيلُ الْعِشْرُونَ: إِطْبَاقُ أَلْسِنَةِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَأَتْبَاعِهِمْ، وَالْمُجْتَهِدِينَ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ فُنُونِهِمْ، وَالْمُسْلِمِينَ بِأَسْرِهِمْ حَتَّى