أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْقُرْآنُ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَكَلَامُ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهَا عَلَى أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْقُرْآنُ مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِ اللَّهِ السَّابِقَةِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا بِعَيْنِهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ مُضَمَّنٌ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَهِيَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمِمَّا يَشْهَدُ بِذَلِكَ وَصْفُهُ تَعَالَى لِلْقُرْآنِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ بِأَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ، فَلَوْلَا أَنَّ مَا فِيهِ مَوْجُودٌ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْوَصْفُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} المائدة: 48 أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى الْكُتُبِ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَهْلُ الْكِتَابِ عَنْ كِتَابِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ فَصَدِّقُوا، وَإِلَّا فَكَذِّبُوا.
وَأَخْرَجَ عَنِ ابن زيد فِي الْآيَةِ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنْ تَوْرَاةٍ أَوْ إِنْجِيلٍ أَوْ زَبُورٍ فَالْقُرْآنُ مُصَدِّقٌ عَلَى ذَلِكَ، كُلُّ شَيْءٍ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مُصَدِّقٌ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا حَدَّثَ عَنْهَا أَنَّهُ حَقٌّ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} الأعلى: 18 . أَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} الأعلى: 18 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ كُلُّ هَذَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى» .
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السدي قَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى مِثْلَ مَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ عبد الرزاق عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} الأعلى: 18 قَالَ: مَا قَصَّ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الحسن: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} الأعلى: 18 قَالَ: فِي كُتُبِ اللَّهِ كُلِّهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} النجم: 36 (أَنْ لَا تَزِرُ) الْآيَاتِ. فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْكِنُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْقُرْآنِ فَيَفْهَمَ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ