فِي الْقُرْآنِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِحَدِيثٍ أَنْبَأْتُكُمْ بِتَصْدِيقِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ - رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
فَعُرِفَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الشَّرِيعَةِ مُنْطَوِيَةٌ تَحْتَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْهَضُ لِإِدْرَاكِهَا مِنْهُ إِلَّا صَاحِبُ النُّبُوَّةِ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْعِبَادَةُ فِي الْقُرْآنِ لِلْعَامَّةِ، وَالْإِشَارَةُ لِلْخَاصَّةِ، وَاللَّطَائِفُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَالْحَقَائِقُ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَبِيٌّ رَسُولٌ، فَيَفْهَمُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ وَيَحْكُمُ بِهِ وَإِنْ خَالَفَ الْإِنْجِيلَ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ يَحْكُمُ بِشَرْعِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَانِ طَرِيقَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمِلٌ فِي مَعْرِفَةِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، وَمَأْخَذُهُمَا قَوِيٌّ فِي غَايَةِ الِاتِّجَاهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ السبكي وَغَيْرُهُ، أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ بَقَائِهِ عَلَى نُبُوَّتِهِ - مَعْدُودٌ فِي أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَاخِلٌ فِي زُمْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَيٌّ مُؤْمِنًا بِهِ وَمُصَدِّقًا، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُ بِهِ مَرَّاتٍ فِي غَيْرِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ مِنْ جُمْلَتِهَا بِمَكَّةَ، رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الْكَامِلِ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رَأَيْنَا بُرْدًا وَيَدًا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الْبُرْدُ الَّذِي رَأَيْنَا وَالْيَدُ؟ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ سَلَّمَ عَلَيَّ» .
وَأَخْرَجَ ابن عساكر مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، إِذْ رَأَيْتُهُ صَافَحَ شَيْئًا لَا نَرَاهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ صَافَحْتَ شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ! قَالَ: ذَاكَ أَخِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، انْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ» . فَحِينَئِذٍ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْكَامَهُ الْمُتَعَلِّقَةَ بِشَرِيعَتِهِ الْمُخَالِفَةَ لِشَرِيعَةِ الْإِنْجِيلِ؛ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَنْزِلُ فِي أُمَّتِهِ وَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِشَرِيعَتِهِ، فَأَخَذَهَا عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ.
وَقَدْ رَوَى ابن عساكر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ ابْنَ مَرْيَمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ وَلَا رَسُولٌ، إِلَّا أَنَّهُ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي» .
وَقَدْ رَأَيْتُ فِي عِبَارَةِ السبكي فِي تَصْنِيفٍ لَهُ مَا نَصُّهُ: إِنَّمَا يَحْكُمُ عِيسَى بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَرَجَّحُ أَنَّ أَخْذَهُ لِلسُّنَّةِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ فِي جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ هُوَ والخضر وَإِلْيَاسُ.
قَالَ الذهبي فِي " تَجْرِيدِ الصَّحَابَةِ ": عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَبِيٌّ وَصَحَابِيٌّ؛ فَإِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَهُوَ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا. انْتَهَى.