دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى أَنْ يَأْخُذَهَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ، حَتَّى إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَلْجَأَ إِلَيْهِ يُصَدِّقُهُ فِيمَا رَوَاهُ وَيُزَكِّيهِ، هَذَا آخِرُ الْجَوَابِ، ثُمَّ إِنَّ مَوْلَانَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَخَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَابْنَ عَمِّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ الْإِمَامَ، الْمُتَوَكِّلَ عَلَى اللَّهِ، أَعَزَّهُ اللَّهُ وَأَعَزَّ بِهِ الدِّينَ، وَهُوَ الْآمِرُ بِالْكِتَابَةِ أَوَّلًا - أَعَادَ الْأَمْرَ ثَانِيًا، هَلْ ثَبَتَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ يَأْتِيهِ وَحْيٌ؟ وَالْجَوَابُ: نَعَمْ، رَوَى مُسْلِمٌ، وأحمد، وأبو داود، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، مِنْ حَدِيثِ النواس بن سمعان قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ - إِلَى أَنْ قَالَ -: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، فَيَتْبَعُهُ فَيُدْرِكُهُ، فَيَقْتُلُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَىابْنِ مَرْيَمَ» أَنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا مِنْ عِبَادِي لَا يَدَانِ لَكَ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّرْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ فَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ الْحَدِيثَ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بَعْدَ النُّزُولِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَائِيَ إِلَيْهِ بِالْوَحْيِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَلْ هُوَ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ وَلَا يُتَرَدَّدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَظِيفَتُهُ، وَهُوَ السَّفِيرُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ، لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أبو نعيم فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " عَنْ عائشة قَالَتْ: قَالَ وَرَقَةُ لخديجة: جِبْرِيلُ أَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُسُلِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي " كِتَابِ الْعَظَمَةِ "، عَنِ ابن سابط قَالَ: فِي أُمِّ الْكِتَابِ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَوُكِّلَ بِهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَوُكِّلَ جِبْرِيلُ بِالْكُتُبِ وَالْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَوُكِّلَ أَيْضًا بِالْهَلَكَاتِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَ قَوْمًا، وَوَكَّلَهُ بِالنَّصْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَوُكِّلَ مِيكَائِيلُ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ، وَوُكِّلَ مَلَكُ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَارَضُوا بَيْنَ حِفْظِهِمْ وَبَيْنَ مَا كَانَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، فَيَجِدُونَهُ سَوَاءً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ جِبْرِيلُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ اللَّهِ إِلَى رُسُلِهِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: جِبْرِيلُ أَمِينُ اللَّهِ إِلَى رُسُلِهِ. وَمِيكَائِيلُ يَتَلَقَّى الْكُتُبَ، وَإِسْرَافِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاجِبِ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عكرمة بن خالد: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمَلَائِكَةِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَأَمَّا جِبْرِيلُ فَصَاحِبُ الْحَرْبِ وَصَاحِبُ الْمُرْسَلِينَ، وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَصَاحِبُ كُلِّ قَطْرَةٍ تَسْقُطُ وَكُلِّ وَرَقَةٍ تَنْبُتُ، وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَهُوَ مُوَكَّلٌ بِقَبْضِ رُوحِ كُلِّ عَبْدٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، وَأَمَّا إِسْرَافِيلُ فَأَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ» .