القرطبي، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: هَلْ يُفْتَنُ الشَّهِيدُ؟ فَقَالَ: كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً.»
قَالَ القرطبي: وَمَعْنَاهُ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ إِنَّمَا جُعِلَ لِامْتِحَانِ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ مِنَ الْمُنَافِقِ، وَثُبُوتُهُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ فِي إِيمَانِهِ، وَإِلَّا لَفَرَّ إِلَى الْكُفَّارِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَهِيَ أَنَّ الطِّفْلَ هَلْ يُسْأَلُ؟ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْحَنَابِلَةِ حَكَاهُمَا ابن القيم فِي " كِتَابِ الرُّوحِ "، وَقَوْلُ النووي فِي " الرَّوْضَةِ " وَ " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": أَنَّ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ مُخْتَصٌّ بِالْبَالِغِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ لَا يُلَقَّنُ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ:
مَاذَا يَقُولُ إِمَامُ الْعَصْرِ مُجْتَهِدْ
... قَدْ فَاقَ سَالِفَهُ فِي الْعُجْمِ وَالْعَرَبْ
فِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ كَلِمْ
... لِأَهْلِ بَدْرٍ وَقَدْ رُدُّوا إِلَى الْقُلُبْ
وَقِيلَ كَلَّمْتَ مَوْتَى لَا سَمَاعَ لَهُمْ
... فَقَالَ لَسْتُمْ بِأَسْمَعَ جَاءَ فِي الْكُتُبْ
وَقَالَ لَا تَسْمَعُ الْمَوْتَى الْإِلَهَ وَذَا
... مُعَارِضٌ لِلَّذِي قُلْنَاهُ فِي الرُّتَبْ
لَا زِلْتَ تُرْشِدُ عَبْدًا ظَلَّ فِي حَلَكْ
... بِوَاضِحِ الْفَرْقِ جَالِي الشَّكِّ وَالرِّيَبْ
الْجَوَابُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا دَائِمَ الْحِقَبْ
... ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَبْعُوثِ خَيْرِ نَبِي
سَمَاعُ مَوْتَى كَلَامِ الْخَلْقِ مُعْتَقَدْ
... جَاءَتْ بِهِ عِنْدَنَا الْآثَارُ فِي الْكُتُبْ
وَآيَةُ النَّفْيِ مَعْنَاهَا سَمَاعُ هُدًى
... لَا يَقْبَلُونَ وَلَا يُصْغُونَ لِلْأَدَبْ
فَالنَّفْيُ جَاءَ عَلَى مَعْنَى الْمَجَازِ فَخُذْ
... وَاجْمَعْ بِهِ بَيْنَ ذَا مَعَ هَذِهِ تُصِبْ
مَسْأَلَةٌ: سُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي الْقَبْرِ هَلْ هُوَ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، أَوْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَحَدٌ؟ وَهَلْ يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ وَالسَّقْطُ؟
الْجَوَابُ: لَيْسَ عَامًّا لِلْخَلْقِ بَلْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّهِيدُ، فَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُفْتَنُ الشَّهِيدُ فِي قَبْرِهِ؟ فَقَالَ: كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً.»
قَالَ القرطبي فِي " التَّذْكِرَةِ " نَقْلًا عَنِ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ نِفَاقٌ فَرَّ عِنْدَ الْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ وَبَرِيقِ السُّيُوفِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُنَافِقِ الْفِرَارَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَشَأْنِ الْمُؤْمِنِ الْبَذْلَ وَالتَّسْلِيمَ لِلَّهِ،