الْحَدِيثِ، فَقَالَ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ: مَعْرِفَةُ الْمَسَانِيدِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ سَنَدُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَوَى فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ:
قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كُنَّا نَتَمَضْمَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَلَا نَتَوَضَّأُ مِنْهُ» .
وَقَوْلَ أَنَسٍ: «كَانَ يُقَالُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ: كُلُّ يَوْمٍ أَلْفُ يَوْمٍ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ عَشَرَةُ آلَافِ يَوْمٍ» ، قَالَ: يَعْنِي فِي الْفَضْلِ.
وَقَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ عَرَّافًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
قَالَ: فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ إِذَا قَالَهُ الصَّحَابِيُّ فَهُوَ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُخَرَّجٌ فِي الْمَسَانِيدِ.
وَمِنَ الْأُصُولِيِّينَ الإمام فخر الدين الرازي، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ " الْمَحْصُولِ ": إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا لَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَقِبَ ذِكْرِهِ لِقَوْلِ عمر: وَمِثْلُ هَذَا إِذَا قَالَهُ عمر لَا يَكُونُ إِلَّا تَوْقِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِنَظَرٍ، انْتَهَى.
هَذَا كُلُّهُ إِذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابِيِّ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا مُتَّصِلًا، فَإِنْ صَدَرَ ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِيِّ فَهُوَ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ، كَمَا ذَكَرَ ابن الصلاح ذَلِكَ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ، وَصَرَّحَ الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بِسَنَدِهِ عَنْ أبي قلابة قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ قَصْرٌ لِصُوَّامِ رَجَبٍ» ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أبي قلابة، وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ، فَمِثْلُهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ بَلَاغٍ مِمَّنْ فَوْقَهُ عَمَّنْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " بِسَنَدِهِ عَنْ أبي قلابة قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمَنْ قَرَأَ الْكَهْفَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ حُفِظَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الدَّجَّالَ لَمْ يَضُرَّهُ، وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَمَنْ قَرَأَ يس غُفِرَ لَهُ، وَمَنْ قَرَأَهَا وَهُوَ جَائِعٌ شَبِعَ، وَمَنْ قَرَأَهَا وَهُوَ ضَالٌّ هُدِيَ، وَمَنْ قَرَأَهَا وَلَهُ ضَالَّةٌ وَجَدَهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ طَعَامٍ خَافَ قِلَّتَهُ كَفَاهُ، وَمَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ مَيِّتٍ هُوِّنَ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ وَالِدَةٍ عَسُرَ عَلَيْهَا وَلَدُهَا يُسِّرَ عَلَيْهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، وَلِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبٌ، وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس.»
ثُمَّ قَالَ عقبه: هَكَذَا نُقِلَ إِلَيْنَا عَنْ أبي قلابة، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَلَا نَقُولُ ذَلِكَ إِنْ صَحَّ عَنْهُ إِلَّا بَلَاغًا.
وَرَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ " عَنْ يحيى بن سعيد أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ وَقْتُهَا، وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ؛ إِذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ رَأْيًا، ويحيى بن سعيد مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، وَرَوَى مالك فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: