فَاسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ وَلِأَنَّ فِي اسْتِيعَابِ ذِكْرِ مَنْ بَلَغَهُ طُولًا، وَإِنْ سَمَّى الْبَعْضَ أَوْهَمَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ إِلَّا مِمَّنْ سَمَّى فَقَطْ، وَخُصُوصًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي عَدَمِ تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنَ الْمُبَلِّغِينَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْحَدِيثُ مَقْبُولٌ، وَيُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا عَضَّدَهُ مُرْسَلَانِ آخَرَانِ، وَفِعْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ كُلِّهِمْ أَوْ كُلِّ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ، فَهَذَا تَقْرِيرُ الْكَلَامِ عَلَى قَبُولِ الْحَدِيثِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ جِهَةٍ فِي الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَالَ الإمام عبد الجليل بن موسى القصري فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ "، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الإمام أبو زيد الجزولي فِي " شَرْحِ رِسَالَةِ أبي زيد ": الْبَرْزَخُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَكَانٌ وَزَمَانٌ وَحَالٌ، فَالْمَكَانُ مِنَ الْقَبْرِ إِلَى عِلِّيِّينَ، تَعْمُرُهُ أَرْوَاحُ السُّعَدَاءِ. وَمِنَ الْقَبْرِ إِلَى سِجِّينٍ تَعْمُرُهُ أَرْوَاحُ الْأَشْقِيَاءِ، وَأَمَّا الزَّمَانُ فَهُوَ مُدَّةُ بَقَاءِ الْخَلْقِ فِيهِ مِنْ أَوَّلِ مَنْ مَاتَ أَوْ يَمُوتُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
وَأَمَّا الْحَالُ فَإِمَّا مُنَعَّمَةٌ وَإِمَّا مُعَذَّبَةٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ حَتَّى تَتَخَلَّصَ بِالسُّؤَالِ مِنَ الْمَلَكَيْنِ الْفَتَّانَيْنِ، انْتَهَى.
فَقَوْلُهُ: " أَوْ مَحْبُوسَةٌ حَتَّى تَتَخَلَّصَ مِنَ الْمَلَكَيْنِ الْفَتَّانَيْنِ " صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ فِتْنَةَ الْقَبْرِ تَكُونُ فِي مُدَّةٍ بِحَيْثُ يَمْكُثُ مَحْبُوسًا لِأَجْلِهَا إِلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا، وَتِلْكَ الْمُدَّةُ هِيَ السَّبْعَةُ الْأَيَّامِ الْوَارِدَةُ، فَهَذَا تَأْيِيدٌ لِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا ذَكَرَ الحافظ ابن رجب فِي كِتَابِ " أَهْوَالِ الْقُبُورِ " عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْأَرْوَاحُ عَلَى الْقُبُورِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ دَفْنِ الْمَيِّتِ لَا تُفَارِقُهُ، فَهَذِهِ آثَارٌ يُؤَيِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يُفْتَنُونَ وَبِفِتْنَةِ الْقَبْرِ: سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، وَالْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِيهِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ مَلَكَا السُّؤَالِ الْفَتَّانَيْنِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ " «أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ، فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. .» . " الْحَدِيثَ.
وَرَوَى أحمد وَالْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ " «أَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي تُفْتَنُونَ وَعَنِّي تُسْأَلُونَ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟ . . .» الْحَدِيثَ. فَانْظُرْ كَيْفَ فَسَّرَ قَوْلَهُ: " «تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ» " بِسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ.
وَرَوَى أحمد وأبو داود مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي