فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: لِلْفِتْنَةِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ، وَمَعْنَاهَا هُنَا الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ، وَكَذَا قَالَ الباجي وابن رشيق والقرطبي فِي شُرُوحِهِمْ عَلَى " الْمُوَطَّأِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي " الرِّسَالَةِ ": وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَيُسْأَلُونَ، وَيُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ.
قَالَ يوسف بن عمر فِي " شَرْحِ الرِّسَالَةِ ": قَوْلُهُ: تُفْتَنُونَ - أَيْ تُخْتَبَرُونَ - وَهُوَ قَوْلُهُ: وَيُسْأَلُونَ، وَأَتَى بِهِ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: تُفْتَنُونَ.
وَقَالَ الجزولي فِي " شَرْحِ الرِّسَالَةِ ": الْفِتْنَةُ تَأْتِي وَالْمُرَادُ بِهَا الْكُفْرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} البقرة: 191 وَتَأْتِي وَالْمُرَادُ بِهَا الِاحْتِرَاقُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} الذاريات: 13 وَتَأْتِي وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَيْلُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} الإسراء: 73 وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الضَّلَالُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} الأعراف: 155 وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْمَرَضُ، قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} التوبة: 126 وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الِاخْتِبَارُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} طه: 40 أَيِ اخْتَبَرْنَاكَ، قَالَ: وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: تُفْتَنُونَ مَعْنَاهُ: تُخْتَبَرُونَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَمُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ فِي أُرْجُوزَتِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ:
وَكُلَّ مَا أَتَاكَ عَنْ مُحَمَّدٍ
... صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ خُذْهُ تَرْشَدِ
مِنْ فِتْنَةِ الْعِبَادِ فِي الْقُبُورِ
... وَالْعَرْضِ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ
قَالَ شَارِحُهُ: فِتْنَةُ الْقُبُورِ سُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَمْ يَرِدْ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ تَصْرِيحٌ بِذِكْرِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ. قُلْنَا: وَلَا وَرَدَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِنَفْيِهَا وَلَا تَعَرُّضٌ لِكَوْنِ الْفِتْنَةِ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ بَلْ هِيَ مُطْلَقَةٌ صَادِقَةٌ بِالْمَرَّةِ وَبِأَكْثَرَ، فَإِذَا وَرَدَ ذِكْرُ السَّبْعَةِ مِنْ طَرِيقٍ مَقْبُولٍ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَكَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ بَابِ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ الْمَقْبُولَةِ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَنَظِيرُهُ أَنَّ أَكْثَرَ أَحَادِيثِ السُّؤَالِ وَرَدَتْ مُطْلَقَةً، وَوَرَدَ فِي حَدِيثَيْنِ أَنَّ السُّؤَالَ يُعَادُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَحُمِلَ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ عَلَى هَذَا. وَالْحَدِيثَانِ الْمُشَارُ إِلَيْهِمَا أَحَدُهُمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ أبي قتادة بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَالْآخَرُ أَخْرَجَهُ ابن مردويه فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَنَظِيرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَرَدَ فِي أَحَادِيثِ مَجِيءِ مَلَكَيْنِ وَفِي أَحَادِيثِ مَجِيءِ مَلَكٍ وَاحِدٍ، قَالَ