وَاتِّفَاقَ الْمَذْهَبِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْوَتْرَ رَكْعَةٌ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ، فَدَعْوَى أَنَّهُمَا خَارِجَانِ عَنْ مُسَمَّى الرَّكْعَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، إِذِ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْمَ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ مُنْصَبًّا عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلَا يَخْرُجُ بَعْضُهَا عَنْ إِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَنُصُّ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُقَالُ فِي إِخْرَاجِهِمَا عَنْ مُسَمَّى الرَّكْعَةِ الْقِيَاسُ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَعْقُبُهَا الشُّرُوعُ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ كَوْنُهَا آخِرَ الرَّكْعَةِ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ يَعْقُبُهُ رَكْعَةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ فَصَحَّ جَعْلُهُ فَاصِلًا بَيْنَ مَا سَبَقَ وَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ فَلَا يَعْقُبُهَا شُرُوعٌ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَشَهُّدُهَا جُزْءًا مِنْهَا دَاخِلًا فِي مُسَمَّاهُ، وَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ فَاصِلًا إِذْ لَا شَيْءَ يَفْصِلُهُ مِنْهَا.
الرَّابِعُ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بِدْعَ أَنْ يَزِيدَ بَعْضُ الرَّكَعَاتِ عَلَى بَعْضٍ بِأَرْكَانٍ وَسُنَنٍ، فَكَمَا أَنَّ الْأُولَى زَادَتْ مِنَ الْأَرْكَانِ بِالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ، وَمِنَ السُّنَنِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَبِالتَّعَوُّذِ عَلَى رَأْيٍ مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ، فَكَذَلِكَ زَادَتِ الثَّانِيَةُ بِالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَبِالْقُنُوتِ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ.
الْخَامِسُ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ هَلْ هِيَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ مِنَ الثَّانِيَةِ أَوْ فَاصِلَةٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ؟ عَلَى أَوْجُهٍ حَكَاهَا ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِيهَا، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا مِنَ الْأُولَى فَالصَّلَاةُ قَضَاءٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مِنَ الْوَقْتِ، أَوْ مِنَ الثَّانِيَةِ أَوْ فَاصِلَةٌ فَأَدَاءٌ، فَانْظُرْ كَيْفَ لَمْ يَجْزِمُوا بِأَنَّ آخِرَ الْأُولَى السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ نَظِيرُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، وَلَا يَحْسُنُ فِيهِ خِلَافُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ؛ لِأَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ تَعْقُبُهَا رَكْعَةٌ فَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ فَاصِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا، وَلَا رَكْعَةَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مِنْ غَيْرِ الرَّكْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، إِذْ لَا شَيْءَ بَعْدَهُ تُجْعَلُ مِنْهُ أَوْ فَاصِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ.
السَّادِسُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» ) أَيْ أَدَاءً لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِالْفَرَاغِ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْفَرَاغِ مِنَ الْجِلْسَةِ بَعْدَهَا إِنْ جَلَسَهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، فَكَذَا حَدِيثُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِالْفَرَاغِ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْفَرَاغِ مِنَ الْجُلُوسِ بَعْدَهَا لِمَا قَطَعْنَا بِهِ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الرَّكْعَةِ.
السَّابِعُ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى» ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الرَّكْعَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أُخْرَى، صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ