عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَبَدًا» ) فَجَعَلَ حُكْمَهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِمُبَاحٍ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} الأحزاب: 57 الْآيَتَيْنِ، فَشَرَطَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْذُوا بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، وَأَطْلَقَ الْأَذَى فِي خَاصَّةٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابن عساكر فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية قَالَ: حَدَّثَنَا نوفل بن الفرات - وَكَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ كُتَّابِ الشَّامِ مَأْمُونًا عِنْدَهُمُ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى كُورَةِ الشَّامِ، وَكَانَ أَبُوهُ يَزِنُ بَالْمَنَانِيَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَسْتَعْمِلَ رَجُلًا عَلَى كُورَةٍ مَنْ كُوَرِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ أَبُوهُ يَزِنُ بَالْمَنَانِيَّةِ؟ قَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا عَلَيَّ! كَانَ أَبُو النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْرِكًا، فَقَالَ عمر: آهٍ، ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: أَأَقْطَعُ لِسَانَهُ؟ أَأَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ؟ أَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ ثُمَّ قَالَ: لَا تَلِي لِي شَيْئًا مَا بَقِيتُ، وَقَدْ سُئِلْتُ أَنْ أَنْظِمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبْيَاتًا أَخْتِمُ بِهَا هَذَا التَّأْلِيفَ فَقُلْتُ:
إِنَّ الَّذِي بَعَثَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا
... أَنْجَى بِهِ الثَّقَلَيْنِ مِمَّا يُجْحِفُ
وَلِأُمِّهِ وَأَبِيهِ حُكْمٌ شَائِعٌ
... أَبْدَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا صَنَّفُوا
فَجَمَاعَةٌ أَجْرَوْهُمَا مَجْرَى الَّذِي
... لَمْ يَأْتِهِ خَبَرُ الدُّعَاةِ الْمُسْعِفُ
وَالْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ تَجِئْهُ دَعْوَةٌ
... أَنْ لَا عَذَابَ عَلَيْهِ حُكْمٌ يُؤْلَفُ
فَبِذَاكَ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ كُلُّهُمْ
... وَالْأَشْعَرِيَّةُ مَا بِهِمْ مُتَوَقِّفُ
وَبِسُورَةِ الْإِسْرَاءِ فِيهِ حُجَّةٌ
... وَبِنَحْوِ ذَا فِي الذِّكْرِ آيٌ تُعْرَفُ
وَلِبَعْضِ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي تَعْلِيلِهِ
... مَعْنًى أَرَقُّ مِنَ النَّسِيمِ وَأَلْطَفُ
وَنَحَا الْإِمَامُ الْفَخْرُ رَازِيُّ الْوَرَى
... مَنْحًى بِهِ لِلسَّامِعِينَ تَشَنُّفُ
إِذْ هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي وُلِدُوا وَلَمْ
... يَظْهَرْ عِنَادٌ مِنْهُمْ وَتَخَلُّفُ
قَالَ الْأُولَى وَلَدُوا النَّبِيَّ الْمُصْطَفَى
... كُلٌّ عَلَى التَّوْحِيدِ إِذْ يَتَحَنَّفُ
مِنْ آدَمَ لِأَبِيهِ عَبَدِ اللَّهَ مَا
... فِيهِمْ أَخُو شِرْكٍ وَلَا مُسْتَنْكِفُ
فَالْمُشْرِكُونَ كَمَا بِسُورَةِ تَوْبَةَ
... نَجَسٌ وَكُلُّهُمْ بِطُهْرٍ يُوصَفُ
وَبِسُورَةِ الشُّعَرَاءِ فِيهِ تَقَلَّبَ
... فِي السَّاجِدِينَ فَكُلُّهُمْ مُتَحَنِّفُ
هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ فَخْرِ الدِّينِ فِي
... أَسْرَارِهِ هَطَلَتْ عَلَيْهِ الذَّرْفُ