يزيد في وضوح ذلك لك، أنهم قالوا: هذا، فبنوه، ثم قالوا: هاذان، فأعربوا، ثم لما صاروا إلى الجمع عادوا إلى البناء، فقالوا: هؤلاء.
فهذا وغيره مما يشهد بمضارعة الواحد للجماعة، وبعده عن التثنية، فهذا وجه.
والوجه الآخر الذي جوز للخليل حمل الواحد على الجماعة، هو أنه وإن كان قد حمل الواحد على الجمع في نحو عظاءة1 وعظاء، فقد عدل هذا الأمر الذي في ظاهره بعض التناقض، بأنه حمل لفظ العظاءة، وهي مؤنثة، على لفظ العظاء وهو مذكر، فهذا يعادل به حمل الواحد على الجماعة، ثم ينضاف إليه ما ذكرناه من مضارعة الواحد للجماعة.
وليس للفراء في قوله: إن ضرب بني على ضربا، واحد من هذين الأمرين اللذين سوغنا بهما مذهب الخليل، فلهذا صح قول الخليل، وسقط قول الفراء.
وبعد، فليس العظاء في الحقيقة جمعا، وإنما هو واحد وقع على الجمع، بمنزلة تمر وبسر2 ودجاج وحمام، وهذا واضح.
وقد استقصيت هذا وغيره من لطائف التصريف في كتابي المصنف لتفسير تصريف أبي عثمان رحمه الله، وأتيت بالقول هناك على أسرار هذا العلم ودفائنه.
فإن قيل: فإذا كانت الألف في شفاء وشقاء بمنزلة الفتحة، في إيجابها قلب ما بعدها ألفا، فهلا لم يجز إلا القلب، وأن تقول: عباءة وعظاءة وصلاءة البتة بالهمز، ولا تجيز نهاية ولا غباوة، كما لم تجز إلا إعلال نحو: قناة وقطاة وحصاة، وإن كانت بعدها الهاء.
فما بالك اعتبرت الهاء في نحو: عباية، وعظاية، وصلاية، وشقاوة، ونهاية، حتى صححت لها الواو والياء، ولم تعتبر الهاء في نحو: قناة وقطاة وحصاة وفتاة؟ وهلا قلت: قنوة وقطوة، وحصية، وفتية، فصححت الواو والياء للهاء، كما صححتها في نحو الشقاوة والنهاية لأجل الهاء.