ومنها1: أنهم يقولون في ما لا ينصرف كله: هذان أحمران وأصفران، فيلحقون النون، وأنت لو نصبت الواحد من هذا لم تقف عليه بالألف، إنما كنت تقول: رأيت أحمر وأصفر، فإلحاقهم النون في التثنية يدل على أنها لم تلحق للفصل بين رفع الاثنين ونصب الواحد كما ذهب إليه الفراء.
فإن قال قائل: فما تنكر أن يكون لما وجب إلحاق النون في ما ينصرف ألحقت أيضًا في ما لا ينصرف لئلا يختلف الباب؟
رجع الحجاج إلى ما كنا قدمناه آنفا من أنا لا نحمل الشيء على أن ملحق بغيره مع وجودنا له علة صحيحة قائمة فيه بنفسه، وهو ما ذهب إليه سيبويه.
فإن انفصل منفصل من غير هذا الوجه، فقال: إنما لحقت في ما لا ينصرف نحو أحمران وبابه لأن من العرب من يصرف جميع ما لا ينصرف، فيقول: ضربت أحمدا، وكلمت عُمرا.
قيل له: هذه اللغة في القلة والضعف كاللغة التي يوقف فيها على ما فيه لام المعرفة في النصب بالألف، نحو: رأيت الرجلا، وكلمت الغلاما، فالذي أسقط عنا تلك المعارضة هو الذي يسقط عنا هذه أيضًا.
ومنها: أنهم يقولون في النصب والجر: مررت بالزيدين، وضربت الزيدين، فيلحقون النون ولا ألف قبلها، فدل ذلك على أن النون لم تلحق التثنية فصلا بين رفع الاثنين ونصب الواحد.
فإن عارض معارض فقال: إنها لما دخلت في الرفع، نحو الزيدان، والعمران، حملوا الجر والنصب عليه لئلا تختلف حال التثنية.
عاد الحجاج أيضًا إلى ما قدمناه من أن الشيء لا ينبغي أن يجعل محمولا على غيره وله صحه علة موجودة فيه نفسه. وكذلك إن قال قائل: إنما لحقت النون التثنية على لغة بلحارث بن كعب2 إذ كان ما قبل النون في لغتهم ألفا لا تختلف، وذلك نحو مررت بالزيدان، وضربت الزيدان.