لم يمنعِ الشربَ منها غير أن نطقت
... حمامةٌ في غُصون ذات أوْقالِ1
فكما بُنيت هذه الأشياءُ وغيرها مما يطول ذكره من حيث كانت مضافة إلى مبني، فاكتست من معناه في البناء، كذلك أيضًا بني "يوم" لإضافته إلى "ذا" المبنية في قراءة من قرأ: "من عذاب يومئذ"، فإذا صح بما ذكرناه أن "إذ" مبنية علمت أن الكسرة في ذالِ "يومئذ" إنما هي حركة ساكنين، وهما هي والتنوين، وأن ماعدا هذا القول فساقط غير متقبل.
فإن قال قائل: فإذا كانت "إذ" إنما بنيت من حيث كانت متقطعا منها ما أضيفت إليه أو مضافة إلى جملة، تجري الإضافة إليها مجرى لا إضافة، فهلا أعربت لما أضيفت إلى المفرد في نحو قولهم: قمتُ إذ ذاك، وفعلتُ إذ ذاك، قال2:
هل ترجعَنَّ ليالٍ قد مضينَ لنا
... والعيشُ منقلبٌ إذْ ذاك أفنانا3
فالجوابُ أن هذه مغالطة من السائل، وذلك أن "ذاك" في قولنا: فعلت إذ ذاك، ليست مجرورة ولا "إذ" مضافًا إليها وحدها، وإنما "ذاك" في هذا الموضع مرفوعة بالابتداء، وخبرها محذوف، والتقدير: فعلت إذ ذاك كذلك، فحذف خبر المبتدأ تخفيفًا وعلمًا بأن "إذ" لا تضاف إلى المفرد، وإذا كانوا قد حذفوا خبر المبتدأ في الموضع الذي يجوز أن تكون الإضافة فيه إلى الواحد، نحو ما أنشده سيبويه من قوله:
أيامَ جُمْلٌ خليلا لو يخاف لها
... هجرا لخولط منه العقل والجسد4