وحدثنا أبو علي قال: حكى أبو عبيدة: رأيت فَرَجْ. فكما حمل أزد السراة المرفوع والمجرور على المنصوب كذلك حمل أهل هذه اللغة التي حكاها أبو علي عن أبي عبيدة المنصوب على المرفوع والمجرور. فهذه حال حذف التنوين في الوقف من الاسم المنون، وإبدال حرف منه في مكانه، وإن كان غير منون فلا نظر في أن الوقف عليه بلا تنوين البتة، وذلك نحو: ضربتُ عُمَرْ، وقام أحمدُ، ونظرتُ إلى الرجلِ.
وأما حذف التنوين في الوصل من الاسم المتمكن فعلى أضرب:
منها: أن يكون مضافًا، نحو: ضربت غلامَك، وجاءني صاحبُك.
ومنها: أن يكون معرفًا باللام، نحو: قام الرجلُ يا فتى، وضربت المرأة ياغلام.
ومنها: أن يلحق الاسم علام الندبة، وذلك نحو قولك: واغلامَ زيداه، ووا أبا جعفراه، ولم يقولوا: واغلامَ زيدِناه، ولا وا أبا جعفرِناه، فيفتحوا التنوين لأجل الألف، ويثبتوه معها كراهية اجتماع الزيادتين في آخر الكلمة.
فإن قلت: فكيف جمعوا في الإنكار بين علامة الإنكار والتنوين، فقالوا: أزيدَنِيه، وأزيدُنِيه، وأزيدِنِيه، وإذا جمعوا بين هاتين الزيادتين في آخر الاسم مع الإنكار، فهلا جمعوا أيضًا بين التنوين وعلم الندبة، فقالوا واغلام زيدِناه، وإذ فرقوا بين الموضعين، فما الذي أوجَدَهم بينهما فرقًا؟
فالجواب: أن الفرق بينهما أن علامة الندبة أشد اتصالا بالمندوب من مدة الإنكار بالمنكر، ألا ترى أن العلامة في الندبة لا يمكن الفرق بينها وبين المندوب في نحو: وا زيداه وواعمراه، ومدة الإنكار قد يفصل بينها وبين الكلام المنكر في نحو قولهم: أزيدَنِيه بـ "إنْ" مؤكدة للإنكار، فيقال في قول من قال: ضربت زيدًا: أزيدًا إِنيه، وفي قول من قال محمدٌ: أمحمدٌ إنِيه، وفي قول من قال مررت بجعفر: أجعفرٌ إنِيه، فلما فارقت المدة التي للإنكار الكلام الذي وليته همزة الاستفهام، وانفصلت منه، واتصلت "بإنْ"، وقامتا بأنفسهما، ولم تحتاجا إلى ما قبلهما، صارت كأنها من جزء آخر ومباينة لما قبلها، فلم ينكر اجتماعها مع التنوين، لأن التقدير فيها والعادة في استعمالها أن تكون منفصلة، ومدة الندبة متصلة بما فيه التنوين غير