أنشد سيبويه1:
من لَدُ شَوْلا فإلى إتلائها2
فلما حذفت النون تارة، وثبتت أخرى، وضمت الدال تارة، وفتحت أخرى، قوي شبه النون بالتنوين الذي قد يحذف تارة، ويثبت أخرى، وتختلف الحركات التي قبله، وهذا واضح جلي.
واعلم أن الشاعر له مع الضرورة أن يصرف ما لا ينصرف، وليس له ترك صرف ما ينصرف للضرورة. هذا مذهبنا، وذلك أن الصرف هو الأصل، فإذا اضطر الشاعر رجع إليه، وليس له أن يترك الأصل إلى الفرع.
فأما ما رووه من قول الشاعر3:
فما كان حِصْنٌ ولا حابسٌ
... يفوقانِ مِرْداسَ في مَجْمَعِ4
فإن أبا العباس رواه غير هذه الرواية، وهي قوله:
............ ... يفوقانِ شَيْخِيَ في مَجْمَعِ5
فرواية برواية، والقياس في ما بعد معنا. على أن أبا الحسن قد حكى عنهم "سلامُ عليكم" غير منون، والقول فيه: إن اللفظة كثرت في كلامهم، فحذف تنوينها تخفيفًا، كما قالوا: لم يكُ، ولم يُبَلْ، ولا أدرِ.
واعلم أن النون قد حذفت من الأسماء عينًا في قولهم "مُذْ" وأصله مُنْذُ. ولو صغرت مذ اسم رجل لقلت: مُنَيْذ، فرددت النون المحذوفة ليصح لك وزن فُعَيْل.
وحذفت أيضًا لامًا في ددن، فقالوا: دد- وهو اللهو واللعب- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لستُ من دَدٍ ولا دَدٌ مِنِّي".