باب التوهم والإيهام:
ومن سنن العرب التوهم والإيهام وهو أن يَتوهم أحدهم شيئاً ثم يجعل ذلك كالحق. ومنه قولهم: "وقفتُ بالربْع أسأله" وهو أكمل عقلاً من أن يسأل رسماً يعلم أنه لا يَسمع ولا يَعقل لكنه تفجع لما رأى السِّكْنَ رحلوا وتوهَّم أنه يسأل الربع أن انْتَووْا. وذلك كثير في أشعارهم، قال1:
وقفتُ على رَبع لميَّة ناقتي
... فما زلت أبكي عنده وأخاطبهُ
وأسألُ حتى كادَ مما أبِثُّهُ
... تكلّمني أحجارهُ ومَلاعبُهْ
وتوهُم وأوَهم أنّ ثَمَّ كلاماً ومُكَلِّما. وبيَّن ذلك لّبِيدٌ بقوله2:
فوقفتُ أسألها وكيف سؤالنا
... صُمّاً خوالِدَ ما يَبِين كلاَمُها
ومن الباب قوله:
لا تُفزِعُ الأرنبَ أهوالُها
إنما أراد: ليس بها أرنب يُفْزَع. وكذلك3:
على لا حِبٍ لا يُهتدى لِمنَاره
إنما أراد: لا مَار به. وأظهرُ ذلك قول الجَعْدي4:
سبقتُ صِياحَ فراريجها
... وصَوتُ نواقِيسَ لم تُضْرَبِ
وقال أبو ذؤيب5:
مُتَفَلّقٌ أنْساؤُها عن قانئ
... كالقرطِ صاوٍ غُبْرْه لا يُرضَعُ
أو همَ أنّ ثَمَّ غَبْراً، وإنما أراد: لا غبر به فيرضع.