فما يخشى العدو له وعيدا
... كما بالوعد لا يثق الصديق
وليوسف محاسن كثيرة، وهو القائل، ولعلك سمعت به:
حج مثلي زيارة الخمار
... واقتنائي العقار شرب العقار
ووقاري إذا توقر ذو الشيـ
... ـبة وسط الندي ترك الوقار
ما أبالي إذا المدامة دامت
... عذل ناه ولا شناعة جار
رب ليل كأنه فرع ليلى
... ما به كوكب يلوح لساري
قد طويناه فوق خشف كحيل
... أحور الطرف فاتن سحار
وعكفناه على المدامة فيه
... فرأينا النهار في الظهر جاري
وهي مليحة كما ترى، وفي ذكرها كلها تطويل والإيجاز أمثل، وما أحسبك ترى بتدوين هذا وما أشبهه بأسًا.
ومدح رجل بعض أمراء البصرة، ثم قال بعد ذلك -وقد رأى توانيًا في أمره- قصيدة يقول فيها كأنه يجيب سائلا:
جودت شعرك في الأمير
... فكيف أمرك قلت فاتر
فكيف تقول لهذا ومن أي وجه تأتي فتظلمه؟ وبأي شيء تعانده فتدفعه عن الإيجاز والدلالة على المراد بأقصر لفظ وأوجز كلام، وأنت الذي أنشدتني:
سد الطريق على الزمان
... وأقام في وجه القطوب
كما أنشدني لبعض رجال الموصل:
فديتك ما شئت عن كبرة
... وهذي سني وهذا الحساب
ولكن هجرت فحل المشيب
... ولو قد وصلت لعاد الشباب
فلم لم تخاصم هذين الرجلين في مزاحمتهما فحولة الشعراء وشياطين الإنس ومردة العالم في الشعر؟
وأنشدني أبو عبد الله المغلسي المراغي لنفسه:
غداة تولت عيسهم فترحلوا
... بكيت على ترحالهم فعميت
فلا مقلتي أدت حقوق ودادهم
... ولا أنا عن عيني بذاك رضيت
وأنشدني أحمد بن بندار لهذا الذي قدمت ذكره، وهو اليوم حي يرزق: