والدليل على أن " لا رجل " في موضع اسم مبتدأ و " ما من رجل " في موضع اسم مبتدأ في لغة تميم: قول العرب من
أهل الحجاز " لا رجل أفضل منك ".
وأخبرنا يونس إن من العرب من يقول:
ما من رجل أفضل منك وهل من رجل خير منك.
كأنه قال: ما رجل أفضل منك وهل رجل خير منك.
واعلم أنك لا تفصل بين " لا " وبين المنفي كما لا تفصل بين " من " وما تعمل فيه وذلك أنه لا يجوز أن تقول في الذي هو جوابه: هل من فيها رجل؟
ومع (ذا) أنهم جعلوا (لا) وما بعدها بمنزلة خمسة عشر فقبح أن يفصلوا بينهما عندهم كما لا يجوز أن يفصلوا بين خمسة و " عشر " بشيء من الكلام لأنها مشبهة بها.
قال أبو سعيد: " لا رجل في الدار " جواب " هل من رجل في الدار " وذلك أنه إخبار وكل إخبار يصح أن يكون جواب مسألة.
ولما كان " لا رجل في الدار " نفيا علما كانت المسألة عنه مسألة عامة ولا يتحقق لها العموم إلا بإدخال " من ".
وذلك إنه لو قال في مسألته: هل رجل في الدار؟ جاز أن يكون سائلا عن رجل واحد. كما تقول: هل عبد الله في الدار؟ وهل أخوك في الدار؟
فالذي يوجب عموم المسألة دخول " من " لأنها لا تدخل إلا على واحد منكور في معنى الجنس، ولا تدخل على معروف، لا تقول: هل من عبد الله في الدار؟ وهل من أخيك؟
وسبيل الاستفهام سبيل الجحد تقول: ما في الدار رجل، فيحتمل العموم ويحتمل أن يكون رجلا بعينه، كقولك: " ما في الدار عبد الله "، فإذا قلت: ما في الدار من رجل لم يكن إلا عموما.
ولما كان: لا رجل في الدار جواب هل من رجل في الدار؟ وهل من رجل معبرا عن: هل رجل في الدار؟ بإدخال عامل عليه يخرجه إلى تحقيق عموم المسألة جعل معبرا عن الابتداء ليدل على عموم النفي، فلم يبق بعد الرفع إلا النصب والخفض، فعدلوا عن الخفض؛ لأن الباب في حروف الخفض أن لا تأتي مبتدأة وإنما تأتي في صلة شيء؛ كقولك أخذت من زيد، ومضيت إلى عمرو. أو زائدة بعد شيء كقولك: هل من رجل في الدار