ومما أجري على الموضع لا على ما عمل في الاسم: لا أحد فيها إلا عبد الله، ف " لا أحد " في موضع اسم مبتدإ وهي هاهنا بمنزلة " من أحد " في: " ما أتاني
... ".
ألا ترى أنك تقول: ما أتاني من أحد لا عبد الله ولا زيد، من قبل أنه خلف أن تحمل المعرفة على " من " في ذا الموضع، كما تقول: لا أحد فيها لا زيد ولا عمرو؛ لأن المعرفة لا تحمل على " لا ". وذلك أن هذا الكلام جواب لقوله: هل من أحد أو هل أتاك من أحد.
وتقول: لا أحد رأيته إلا زيد، إذا بنيت " رأيته " على الأول كأنك قلت: لا أحد مرئيّ. وإن جعلت " رأيته " صفة فكذلك كأنك قلت: لا أحد مرئيّا. وتقول: ما فيها إلا زيد. وما علمت أن فيها إلا زيدا، فإن قلبته فجعلته بلا " أن " و " ما " في لغة أهل الحجاز قبح ولم يجز؛ لأنهما ليستا بفعلين. فيحتمل قلبهما. كما لم يجز فيهما التقديم والتأخير. ولم يجز ما أنت إلا ذاهبا ولكنه لما طال الكلام قوي واحتمل ذلك كأشياء تجوز في الكلام إذا طال وتزداد حسنا. وسترى ذلك إن شاء الله، ومنها ما قد مضى.
وتقول: " إن أحدا لا يقول ذاك " وهو ضعيف خبيث؛ لأن " أحدا " لا يستعمل في الواجب. وإنما نفيت بعد ما أوجبت، ولكنه قد احتمل حيث كان معناه النفي كما جاز في كلامهم " قد عرفت زيد أبو من هو " حيث كان معناه: أبو من زيد.
فمن أجاز هذا قال: " إن أحدا لا يقول ذاك إلا زيدا " كما أنه يقول على الجواب: " رأيت أحدا لا يقول ذاك إلا زيد ". يصير هذا بمنزلة: ما أعلم أن أحدا يقول ذاك. كما صار هذا بمنزلة: ما رأيت
... حيث دخله معنى النفي.
وإن شئت قلت: إلا زيد، فحملته على " يقول " كما جاز:
يحكي علينا إلا كواكبها (1)
كقولك: لا أحد فيها إلا زيد. وأقل رجل رأيته إلا عمرو؛ لأن هذا الموضع إنما ابتدئ مع معنى النفي، وهذا موضع إيجاب، وإنما جيء بالنفي بعد ذلك في الخبر فجاز الاستثناء أن يكون بدلا من الابتداء حين وقع منفيّا. ولا يجوز أن يكون الاستثناء أولا لو لم تقل: أقل رجل ولا: قلّ رجل؛ لأن الاستثناء لا بد له هاهنا من النفي ويجوز أن يحمل على إنّ هنا. حيث صارت " أحد " كأنها منفية ".