قال أبو سعيد: قد ذكرنا أن حروف الاستثناء تدخل بين الاسم وخبره والحال وصاحبه. ومن الحال المبتدأ وخبره، فإذا قلت: (ما مررت بأحد إلا زيد خير منه) ف (زيد خير منه) مبتدأ وخبر. ويجوز أن تدخل عليه الواو كما تدخل على المبتدإ الذي في معنى الحال فتقول: ما مررت بأحد إلا وزيد خير منه.
قال الشاعر:
ما أعطياني ولا سألتهما
… إلّا وإنّي لحاجزي كرمي (1)
وعلى هذا يجوز أن تقول: (ما كلمت أحدا إلا وزيد حاضر) ولا يجوز حذف الواو من هذا كما جاز حذفها من الأول؛ لأن هذا ليس فيه ذكر يعود إلى الأول، وإنما يربطه به الواو، والأول فيه ذكر يرجع إلى الأول، فأنت مخير في ذكر الواو وتركها.
وأما قولهم: والله لأفعلن كذا وكذا إلا حل ذلك أن أفعل كذا وكذا. (حل) مبتدأ و (أن) خبره و (إلا) في معنى (لكن).
وإنما دخلت (إلا) بمعنى (لكن) لأن ما بعدها مخالف لما قبلها. وذلك أن قوله:
والله لأفعلن كذا وكذا عقد يمين عقده على نفسه، و (حله) إبطاله ونقضه كأنه قال: علي فعل كذا معقود. ولكن بطلان العقد كذا. وهذا مذهب (لكن) ومعناه فقد ذكرنا نحوه.
وأما قوله: (والله لا أفعل إلا أن تفعل) فتقديره: لا أفعل إلا بعد فعلك أو إلا مع فعلك. ف (أن) وما بعدها منصوب على الظرف، وتقديرها تقدير مصدر وضع موضع ظرف زمان كقولك: والله لا أفعل كذا وكذا إلا مقدم الحاج وإلا خفوق النجم. وما أشبه ذلك، على معنى: إلا وقت مقدم الحاج ووقت خفوق النجم.
هذا باب (غير)اعلم أن (غيرا) أبدا سوى المضاف إليه. ولكنه يكون فيه معنى (إلا) فيجري مجرى الاسم الذي بعد (إلا) وهو الاسم الذي يكون داخلا فيما يخرج منه غيره.
وخارجا مما يدخل فيه غيره.
فأما خروجه مما يدخل فيه غيره: فأتاني القوم غير زيد ف (زيد) غير الذين جاءوا. ولكن فيه معنى (إلا) فصار بمنزلة الاسم الذي بعد (إلا).
وأما دخوله فيما يخرج منه غيره: فما أتاني غير زيد، وقد يكون بمنزلة (مثل)