والذي يفعل سببه بنفسه فقولك: ضربت زيدا، وقتلت عمرا، فلما كان سبيل الفعل الذي لا يعتمد به الإنسان الفاعل غيره أن لا يكون له مفعول وجب أن لا يقول:
ضربتني، وشتمتني، ولما كان الفعل الذي يعتمد به غيره في مقاصد الناس وعاداتهم قد يعرض فيه أن يعتمد الفاعل نفسه على سبيل ما كان يعتمد غيره أتوا بلفظ النفس، وأضافوه إليه فقالوا: ضربت نفسك، وضرب زيد نفسه، وشبّهوه من جهة اللفظ لا المعنى ب (ضرب زيد غلامه) لأنّ المضاف في الأصل ليس بالمضاف إليه، فجعلوا نفسه في حكم اللفظ كأنها غيره.
وبعض النحويين ذكر أنه مما يمنع تعدّي الفعل إلى فاعله: دخول اللّبس الكلام؛ لأنه إذا قال: ضربتني وضربتك، فأوقعت فعلك على نفسك، وفعل من تخاطبه على نفسه، لزمك في الغائب أن تقول: ضربه، فتوقع فعل الغائب على نفسه بالكناية، فلا يعلم لمن (الهاء)؟ للّذي خبّرت عنه بالفعل أو لآخر؟ فيدخل الكلام اللّبس، فإذا قلت: ضرب نفسه بان لك؛ لأنك لم تعن نفس غيره، فلهذا ما أدخلت النفس، ولم يقع موقعها المكنيّ.
وأما حسبتني، وأظنّني، وأجدنني ووجدتني أفعل كذا، ورأيتني من رؤية القلب، وما جرى مجرى ذلك مما ذكره سيبويه من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما، مما أصله مبتدأ وخبر، فإنما جاز ذلك فيهن؛ لأنّ المقصود بهذه الأفعال: المفعول الثاني، وليس للأول في الفعل نصيب؛ لأنك إذا قلت: حسبت زيدا منطلقا، فالمحسبة لم تقع على زيد، وإنما وقعت على الانطلاق، وكان الضمير المتصل أخفّ في اللفظ من المنفصل ومن النفس، فاستعملوا الأخفّ فيه.
وقد جاء في فعلين سوى هذه الأفعال تعدّي فعل الفاعل إلى ضميره وهو: فقدتني، وعدمتني، وإنما جاز ذلك لأنه محمول على غير ظاهر الكلام وحقيقته؛ لأن الفاعل لا بد من أن يكون موجودان وإذا عدم نفسه صار عادما معدوما، وذلك محال.
وإنما جاز ذلك لأن الفعل له في الظاهر، والمعنى لغيره؛ لأنه يدعو على نفسه بأن يعدم، فكأنه قال: عدمني غيري، قال جران العود:
لقد كان لي عن ضرتين عدمتني
… وعن ألاقي منهما متزحزح
هما الغول والسّعلاة حلقي منهما
… مخدّش ما بين التّراقي مكدّح (1)