والأكثر ترك التنوين. قال الشاعر:
سيصبح فوقي أقتم الرّيش كاسر
… بقالي قلا أو من وراء دبيل (1)
وتفسير " قالي قلا "، كتفسير " معدي كرب ". والوجه الذي ينون فيه كالوجه الذي ينون فيه " معدي كرب ".
وأما " أيادي سبأ " ففيه لغتان: " أيادي سبأ " و " أيدي سبأ " ومعناه: متفرقين، يقول:
" ذهب القوم أيدي سبأ " و " أيادي سبأ "، إذا تبددوا وتشتتوا. والأصل أن سبأ بن يشجب لما أنذروا بسيل العرم خرجوا من اليمن متفرقين في البلاد؛ فقيل لكل جماعة تفرقت؛ " ذهبوا أيدي سبأ ". وموضعه من الإعراب نصب بالحال، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه معرفة وقع موقع الحال كما قال:
فأرسلها العراك ولم يذدها
… ... (2)
يريد: معتركة. كما قالوا: " القوم فيها الجماء الغفير " يريد مجتمعين، وغير ذلك مما وقعت المعرفة فيه موقع الحال.
والوجه الثاني: أن يجعل " سبأ " في تقدير منكور، وتضيف " أيدي " إليه فتكون منكورة، فإذا كانت كذلك فلا كلام في وقوعها حالا.
وللسائل أن يسأل فيقول؛ كيف يكون " سبأ " منكورا حالا وهو اسم رجل، فقد صارت له حالة في التفرق يجوز من أجلها أن يشبه غيره به، كما قيل: " قضية ولا أبا حسن لها "، وإنما القصد فيه إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام. كما قال الشاعر:
لا هيثم الليلة للمطى
فإنه وإن كان أراد عليّا رضي الله عنه قصد الهيثم، فإن تقدير الكلام: لا مثل علي ولا مثل الهيثم؛ لأن (لا) لا تنصب إلا منكورا، فإنما جاز تقدير " مثل " وإن كان القصد إلى واحد؛ لأن التأسف إذا وقع لفقد إنسان، فإن وجود مثله يزيل ذلك، ويصير كأنه هو الأول المطلوب، فكذلك: تفرق القوم أيدي سبأ، يجوز أن يكون في التقدير: أيدي مثل سبأ، وسبأ في هذا الموضع على هذا التقدير معرفة؛ فلذلك لم ينون.