وحكي في هذا كله التنوين مع كسر الصاد.
وأقول: إن " حيص " يجوز أن يكون مشتقا من؛ حاص يحيص، وإذا فر، و " بيص " من: باص يبوص، إذا فات؛ لأنه
إذا وقع الاختلاط والفتنة، فمن بين الناس من يحيص عنها أو يبوص منها، وكان ينبغي أن يقال: " حيص بوص "، غير أنهم أتبعوا الثاني الأول كما قال الشاعر:
أزمان عيناء سرور المسرور
… عيناء حوراء من العين الحير (1)
والكلام: العين الحور؛ لأنها جمع حوراء، غير أنهم اتبعوها؛ العين. وكما قالوا:
" العدايا والعشايا "، فقالوا: " الغدايا " من أجل: " العشايا ". والغداة وحدها لا تجمع غدايا.
والذي أوجب بناء: " حيص بيص " تقدير الواو فيهما؛ كأنك قلت: " في حيص وبيص "، فلما حذف الواو، وتضمنتا معناها بنيتا كما تبنى " خمسة عشر " لما كان فيها معنى الواو. ومن كسر فلالتقاء الساكنين. ويجوز أن تجعله صوتا، فتحكى به ما يقع في الاختلاط والفتنة، ولا تجعله مشتقا من شيء فتكسره كما تقول: " غاق غاق " إذا قدرته تقدير المعرفة وتنونه، كما تقول: " غاق غاق " إذا قدرته تقديرا كنكرة فاعرفه إن شاء الله.
وقولهم: " ذهب الناس شغر بغر "، إذا تفرقوا تفرقا لا اجتماع بعده، و " ذهب الناس شذر مذر " في ذلك المعنى. ويقال: " شذر مذر، ويقال: " شذر بذر " و " شذر بذر " وكله في معنى التفرق الذي لا اجتماع بعده.
وإنما بنيت هذه الحروف لأن فيها معنى الواو، كأنه في الأصل: " ذهب الناس شغرا وبغرا "، فلما حذفت الواو وتضمنتا معناها بنيتا على الفتح مثل: " خمسة عشر ".
وشغر بغر عندي مشتق من قولهم: " شغر الكلب " إذا رفع إحدى رجليه فباعدها من الأخرى، و " بغر " من قولهم: " بغر الرجل " إذا شرب فلم يرو لما به من شدة الحرارة، فجعل من شغر في التفرق الذي هو لا اجتماع بعده، كما يكون البغر في العطش الذي لا ري معه.
وسائر هذه الحروف فيها معنى الواو على ما قدرت لك في " شغر بغر " ومن ذلك