وتقول: ألست قد أتيتنا فتحدثنا، إذا جعلته جوابا ولم تجعل الحديث وقع إلا بالإتيان؛ وإن أردت: فحدثتنا، رفعت.
وتقول: كأنك لم تأتنا فتحدثنا؛ وإن حملته على الأول جزمته.
وقال رجل من بني دارم:
كأنّك لم تذبح لأهلك نعجة
… فيصبح ملقى بالفناء إهابها (1)
وتقول: ودّ لو تأتيه فتحدثه. والرفع جيد على معنى التمني؛ ومثله قول الله- عز وجل-: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (2). وزعم هارون أنها في بعض المصاحف:
ودوا لو تدهن فيدهنوا.
وتقول: حسبته شتمني فأثب عليه، إذا لم يكن الوثوب واقعا، ومعناه: أن لو شتمني لو ثبت عليه. وإن كان الوثوب قد وقع فليس إلا الرفع، لأن هذا بمنزلة قوله: ألست قد فعلت فأفعل.
واعلم أنك إن شئت قلت: ائتني فأحدثك، ترفع.
وزعم الخليل: أنك لم ترد أن تجعل الإتيان سببا لحديث، ولكنك كأنك قلت:
ائتني فأنا ممن يحدثك البتة، جئت أو لم تجئ.
قال النابغة الذبياني:
ولا زال قبر بين تبنى وجاسم
… عليه من الوسميّ جود ووابل
فينبت حوزانا وعوفا منوّرا
… سأتبعه من خير ما قال قائل (3)
وذلك أنه لم يرد أن يجعل النبات جوابا لقوله: (ولا زال)، ولا أن يكون متعلقا به، ولكنه دعا ثم أخبر بقصة السحاب، كأنه قال: فذاك ينبت حوزانا ولو نصب هذا البيت- قال الخليل- لجاز، ولكنا قبلناه رفعا وقال:
ألم تسأل الرّبع القواء فينطق
… وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق (4)
لم يجعل الأول سببا للآخر، ولكنه يجعله ينطق على كل حال، كأنه قال: فهو مما ينطق، كما قال: ائتني فأحدثك، فجعل نفسه مما يحدثه على كل حال. وزعم