تبنيه وتفتحه؛ لأنك أضفته إلى (أن) وهي حرف. قال الشاعر:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
… حمامة في غضون ذات أو قال
وزعم أهل الكوفة أنه يجوز نصبها في كل موضع تحسن فيه (إلا) سواء كان مضافا إلى اسم متمكن أو غير متمكن، فأجازوا: " ما جاءني غير زيد " و " ما غمني غير أن قمت "، ولم يفصلوا بينهما، ولم يجيزوا: " جاءني غير زيد " لأنه لا يقع موقعها (إلا).
قال أبو سعيد؛ واستشهدوا في جواز النصب في الاستثناء بالبيت الذي أنشدناه، فقال البصريون؛ لو قلنا: " ما قام
غير زيد " كان قد بقي " قام " بغير فاعل، ولا يجوز خلو الفعل من فاعل.
وإذا قلت: " ما غمني غير أن قمت " فهذا مبني موضعه رفع.
فإن قال قائل: فاجعلوا (غير) إذا كان مضافا إلى اسم في الاستثناء مبنيا وموضعه رفع.
قيل له: لا يجوز ذلك من قبل أن الإضافة إلى الاسم المحض لا توجب بناء الاسم المضاف. ولو أوجبت ذلك لفتحت (غير) في الاستثناء وغيره للإضافة التي فيها، وليس الاستثناء موجبا للبناء فتبينه بسبب الاستثناء. وقد رأينا لما ذكرنا من بناء المضاف إلى غير متمكن نظائر، وهي ما ذكرناه فحملناه عليه.
فإن قال قائل: اجعلوا (غير) في الاستثناء مبنيا، لأنه وقع موقع (إلا) و (إلا) حرف، والأسماء إذا وقعت موقع الحروف بنيت.
قيل له: لو جاز ذلك لجاز أن تقول: " زيد مثل عمرو " لأنا نقول: " زيد كعمرو " فتبنى " مثل " لوقوعه موقع الكاف، فلما بطل هذا بطل ما ادعاه هذا المدعي. فاعرفه إن شاء الله.
ومن ذلك ما ذكره بعض النحويين: " ما لقيته يوم يوم " وهذا نادر شاذ، وتفسيره أنه يجعل (يوم) الأول بمعنى: منذ، و (اليوم) الثاني معلوما قد حذف منه ما أضيف إليه، كأنه قال: " ما رأيته منذ يوم تعلم " وتبنيه كما بني: قبل وبعد، حين حذف ما أضيف إليه.
فإن قال قائل: فلم بني يوم الأول؟
قيل له: من قبل أنه حين جعلته بمعنى: مذ، ومذ إذا كان ما بعدها مرفوعا، كانت