المعنى يجوز أن يكون ما بعدها مرفوعا ومجزوما، فالمرفوع نحو قولك: أنا ألزمك أو أخرج لك إلى صنيعتك؛ والمجزوم: ليخرج زيد إلى البصرة أو يقم في مكانه.
والآخر: أن يخالف ما بعدها ما قبلها، ويكون معناها مع ما بعدها معنى (إلا أن) والفصل بين هذا وبين الأول أن الأول لا تعلق بين ما قبل (أو) وبين ما بعدها، وإنما هو دلالة على أحد الأمرين، وليس بين الأمرين ملابسة. كما لا ملابسة بين تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ الفتح: 16، إنما هو إخبار بوجود أحدهما. وكذلك أنا ألزمك أو أخرج إلى ضيعتك، بما هو إخبار بوجود لزوم أو وجود خروج إلى الضيعة، وهذا كعطف الاسم على الاسم ب (أو) كقولك: جاءني زيد أو عمرو ونحوه.
والوجه الثاني: الفعل الأول فيه قبل (أو) كالعام في كل زمان، والثاني كالمخرج من عمومه، ولذلك صيّر معناه معنى (إلا أن)؛ ألا ترى أن قولك: (لألزمنك) متضمن للأوقات المستقبلة، وكذلك لأضربنك فإذا قلت أو تقضيني أو تسبقني، فقد أخرجت بعض الأوقات المستقبلة من ذلك المتضمّن وكأن التقدير: لألزمنك إلا الوقت الممتد الذي أوله قضاؤك لي، ولأضربنك إلا الوقت الذي أوله سبقك إياي؛ واجتمع (أو) و (إلا) في هذا المعنى للشبه الذي بينهما في العدول عما أوجبه اللفظ الأول؛ وذلك إذا قلنا:
جاءني القوم إلا زيدا، فاللفظ الأول قد أوجب دخول (زيد) في القوم لأنه منهم، فإذا قلت (إلا)، فقد أبطلت ما أوجبه اللفظ الأول، وإذا قلت: جاءني زيدا وعمرو، فقد وجب المجيء لا لزيد في اللفظ قبل دخول (أو)، فلما دخلت بطل ذلك
الوجوب؛ ولهذا المعنى احتيج إلى تقدير الفعل مصدرا وعطف الثاني عليه، فذلك التقدير على ما مضى في (الفاء)، وجاز: أو نموت فنعذر، على وجهين: بالعطف على (تحاول) وبالاستئناف؛ لأن المعنى لا يفسد وأما (تقاتلونهم أو يسلمون) فالثاني عطف على الأول، والذي يقع من ذلك أحد الأمرين إما القتال وإما الإسلام.
وذكر أن في بعض المصاحف: أو يسلموا، ويسلموا نصب على معنى (إلا أن) فيجوز أن يقع القتال ثم يرتفع بالإسلام. وأما
حراجيح لا تنفكّ إلا مناخة (1)
فالأصمعي وأبو عمر الجرمي ومن بعدهما كانوا يقولون: أخطأ ذو الرمة، لأنه لا يقال: لا يزال زيد إلا قائما، كما لا يقال: يزال زيد قائما، لأن ذلك لا يستعمل إلا بلفظ