وإنما ذكرت لك هذا التصرّف وجوهه ومعانيه، وألا تستحيل منه مستقيما، فإنه كلام يستعمله الناس.
ومما جاء منقطعا من الأول قول عبد الرحمن بن أم الحكم:
على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى
… قضيته ألا يجوز ويقصد (1)
كأنه قال: عليه غير الجور، ولكنه يقصد، أو هو قاصد، فابتدأ ولم يحمل الكلام على (أن)، كما تقول: عليه أن لا يجوز ويقصد، وينبغي له كذا وكذا؛ فالابتداء في هذا أسبق وأعرف، لأنها بمنزلة قولك: كأنه قال:
ونؤلك. فمن ثمّ لا يكادون يحملونها على (أن).
قال أبو سعيد: حروف العطف إنما تعطف ما دخل في معنى الأول، فإن لم يدخل في معناه رفع على الاستئناف كقولك: أريد أن تزورني، وأريد أن تأتيني فتقعد عني، وأريد أن تطيعني فتخالفني فما بعد (الفاء) في هذا ونحوه مرفوع لا غير، لأنه لم يدخل في الإرادة، و (أن) الناصبة كانت في صلة الإرادة، فلو نصبنا الثاني، وعطفناه على الأول، كان قد دخل في الإرادة؛ وإنما ينصب بحروف العطف ما يصح دخوله في معنى الأول، كنحو ما ذكره سيبويه وما يصح دخوله في معنى الأول؛ وقد يجوز أن يقطع عنه ويستأنف.
وقول الله- تبارك وتعالى-: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً (2) من قرأ بالرفع فهو عطف جملة على جملة بعد تمامها، كأن قوله: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ آل عمران:
79 قد انقطعت الجملة عند قوله (تدرسون) ثم ابتدأ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً آل عمران: 79؛ ومن قرأ (وَلا يَأْمُرَكُمْ) فهو في الجملة الأولى، لأن معناه: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله، ولا كان له أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا؛ وفي هذا الوجه في (يأمركم) ضمير فاعل من (بشر) وفي الوجه الأول ضمير فاعل من (الله) تعالى.
وأما قول الله- تبارك وتعالى-: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ (3) فلا يصح