من كل ما نال الفتى
… قد نلته إلا التحية (1)
على معنى: قد نلت النيل، وحق الكلام: من كل ما نال الفتى قد نلت، كأنه قال: كل ما نال الفتى قد نلت؛ ومن أجل (الهاء) كان الأصمعي ينكر هذه الرواية، ويروي:
ولكل ما نال الفتى قد نلته
وكان لا يتوهم في (نلته) المصدر.
وأما جعلهم (إذا) في موضع (الفاء) في الجواب، فيمكن أن يكون تشبيها ب (إذا) التي للمفاجأة؛ لأن الشرط يؤدي إلى الجواب، فكأنه هجم عليه وأثاره. وكذلك طريق المفاجأة، ألا ترى أنك إذا قلت: " أصابتهم سيئة فإذا هم يقنطون " (2) كانت مفاجأة؛ وإصابة السيئة هجمت بهم على القنوط، وإذا دخل حرف الجزاء صار شرطا وجزاء، واكتفى ب (إذا) من (الفاء)، واستقبح ذكر (الفاء) معها في المجازاة.
وقد يجزم الجواب وإن كان الشرط غير مجزوم، وأحسن ذلك أن يكون الشرط ب (كان) لقوة (كان) في باب المجازاة، ووقوعها على كل ماض ومستقبل، وذلك في قول الله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها (3)، ولولا (كان) لم يقو إلّا الاستقبال، لأن قولك: (إن تأتني آتك) أحسن من (إن أتيتني آتك)، وإنما يجيء في الشعر أكثره.
وقول سيبويه: إن تأتني فأكرمك، (أكرمك) عنده مرفوع، لأنه واقع موقع الابتداء، أي: فأنا أكرمك، وإنما ذهب إلى هذا لأن دخول (الفاء) إنما احتيج إليه بسبب المبتدإ والخبر على ما ذكرته قبيل هذا الفصل، ولولا ذلك لقال: إن تأتني أكرمك، وباقي الباب مستغن عن شرحه بوضوح كلام سيبويه أو شرح نظيره.
هذا باب الأسماء التي يجازى بها وتكون بمنزلة (الذي)وتلك الأسماء التي يجازى بها: من، وما، وأيهم. فإذا جعلتها بمنزلة (الذي) قلت: ما تقول أقول، فتصير (تقول) صلة (ما) حتى تكمل اسما، فكأنك قلت: الذي تقول أقول. وكذلك من يأتيني آتيه، وأيّها تشاء أعطيك، قال
الفرزدق: