تجوّز سيبويه في عبارته عن جزم هذه الأشياء، فأوهم أن هذه الأشياء هي الجازمة لما بعدها، كما أن حرف الشرط وفعله هو الجازم للجواب، وذلك قولك: وإنما انجزم هذا الجواب، كما انجزم جواب: إن تأتني بإن تأتني لأنهم جعلوه معلقا بالأول غير مستغن عنه الأول، إذا أرادوا الجزاء، كما إن تأتني غير مستغنية. عن آتك.
قال أبو سعيد: وهذا من سيبويه مسامحة في اللفظ، واتساع كما اتسع في نصب الظرف، فقال في نحو قولك:
زيد خلفك، نصب بما قبله والحقيقة فيه أن الناصب هو (استقر)، ثم حكى عن الخليل ما يدل على حقيقة الناصب، وهو قوله وزعم الخليل أن هذه الأوائل كلها فيها معنى (إن) فلذلك انجزم الجواب، لأنه إذا قال: ائتني آتك، فإن معنى كلامه: إن يكن منك إتيان وما بعده جوابه.
وقول الله- تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (1). إلى قوله- عز وجل-: يَغْفِرْ لَكُمْ (2) أما قوله- عز وجل-:
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (3). فهو تفسير للتجارة على معناها لا على لفظها ولو فسرها على لفظها لقال: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم أن تؤمنوا بالله، لأن قوله: أن تؤمنوا اسم وتجارة اسم، والاسم يبدل من الاسم، ويقع موقعه، وقوله:
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الصف: 11 كلام قائم بنفسه وفيه دلالة على المعنى المراد بالتجارة، وهو الإيمان والجهاد لأن تؤمنون يدل على الإيمان، وتجاهدون يدل على الجهاد لأنهما مصدرهما؛ ومثله في الكلام على الوجهين، هل لك في خير تقوم بنا إلى المسجد فنصلّي، ولو قلت:
أن تقوم إلى المسجد كان صوابا، ومثله مما فسر ما قبله على الوجهين:
قوله- عز وجل-: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (4) (إنا وأنا) (5) فمن قال: أنّا هاهنا، فهو الذي يدخل (أن) في تقوم، لأن أن وما بعدها بمنزلة اسم يكون بدلا من الاسم الذي قبله، ومن قال: إنّا فهو الذي يلغي (أن) من تقوم، لأنه إذا قال: إنا