وجهين: على إرادة اللام وعلى الابتداء. فقال الفرزدق:
منعت تميما منك أني أنا ابنها
… وشاعرها المعروف عند المواسم (1)
وسمعت من العرب من يقول: " إنيّ
... "
وتقول: (لبيك إن الحمد والنعمة لك " وإن شئت قلت: (أّنّ) ولو قال إنسان إنّ " أنّ " في موضع جر في هذه الأشياء ولكنه حذف لما كثر في كلامهم فجاز فيه حذف الجار كما حذفوا " رب " في قولهم:
وبلد تحسبه مكسوحا (2)
لكان قولا قويا. وله نظائر نحو قوله: لاه أبوك. والأول: قول الخليل. ويقوى ذلك قولهم: " وأن المساجد لله " لأنهم لا يقدمون " أن " ويبتدئونها ويعملون فيها ما بعدها، إلا أنه يحتج الخليل بأن المعنى معنى اللام فإذا كان الفعل أو غيره موصولا باللام جاز تقديمه وتأخيره؛ لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى. فاحتملوا هذا المعنى كما قالوا: " حسبك ينم الناس " إذ كان فيه معنى الأمر وسترى مثله.
قال أبو سعيد: إذا تقدمت " أن " مفتوحة ووليها حرف جر مقدم فقول الخليل: إنها في موضع نصب بالفعل الذي كان يعمل في حروف الجر. فإذا قلت " جئتك أنك تريد المعروف ".
" فأنك " في موضع نصب بجئتك. لما حذفت اللام وصل الفعل إلى ما بعدها وكانت اللام في موضع نصب. وكذلك سائر ما ذكرناه.
وكان الكسائي يقول أنها في موضع جر وقد قوى سيبويه كونها في موضع جر من غير أن يبطل قول الخليل أو يرده.
وكان أبو العباس محمد بن يزيد يراه منصوبا ويذهب مذهب الخليل فيه.
قال أبو سعيد: والزجاج يجوّز الأمرين جميعا في (أن): النصب والجر. والأقوى عندي: أن موضعه جر لأن حروف الجر تحذف من " أن " و " أنّ " مخففة ومشددة. لأنهما وما بعدهما بمنزلة اسم واحد وقد طال فحسن الحذف كما يحسن حذف الضمير العائد