والأجود أن يضمر بعد البيت فعل يدل عليه ما قبله. والذي قبله:-
صدّت هريّرة عنّا ما تكلمنا
… جهلا بأيام خليد حبل من تصل (1)
والفعل المفسر: أأن رأت رجلا أعشى صدت: وجاز إضماره لتقدم ذكره. ومثله في الكلام أن يقول الرجل لمن يوبخه:- " سعيت في مكارهي وأذيتني لأن أحسنت إليك "؟ ومعناه مفهوم وإن حذف. ويقوى هذا أنه يروي: " من أن رأت رجلا ".
وأنما احتيج إلى تطلب هذه الوجوه لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وليس يتصل به ما بعده وما تكون " اللام " في صلته. وقولك: ما منعك أن تأتينا. وتقديره: من أن إتيانك. وقد يجوز حذف حرف الجر في " أن " ولا يجوز مع المصدر كقولك: وجلت أن يأتي زيد ورغبت أن أصبحت أخاك. ووجلت من أن يأتيني زيد ولو جعلته مصدرا لم يجز حذف الجار منه لا تقل: وجلت إتيان زيد. ولا رغبت صحبة أخيك. حتى تقول: من إتيان زيد. وفي صحبة أخيك وأما قوله: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا (2) ف " أن يكفروا " في موضع رفع ظاهر كلامه. وموضعه كموضعه في قولك: بئس رجلا زيد.
و" ما " في معنى " شيئا ". واشتروا به " نعت لما " وإلى هذا المعنى ذهب الزجاج في معنى الآية. (3)
وقال الفراء: " أن يكفروا " يجوز أن يكون في موضع خفض ورفع. فأما الخفض:
فإن تردها على الهاء في " به " يذهب إلى أن " ما " بمعنى " الذي " وهي موصولة بقوله اشتروا به أنفسهم. " وأن تكفروا " بدل من الهاء. فيصير أيضا في صلة " ما " وتسمى " بئسما " في هذا الوجه مكتفية. لأن تقديرها: بئس الذي اشتروا به أنفسهم. والكلام تام. وليس بمنزلة قولك: " بئس الرجل ". لأن الكلام لا يتم حتى تقول بئس الرجل عبد الله. ويتم بقولك بئس ما صنعت. وبئس ما اشتريت به نفسك. ولا يحتاج بعده إلى اسم مرفوع يبين به. " ما " بعد " بئس " هذا قول الفراء.