وقال: " أخذت من لفظ أحداث الأسماء ".
يعني أن هذه الأبنية المختلفة أخذت من المصادر التي تحدثها الأسماء وإنما أراد بالأسماء أصحاب الأسماء وهم الفاعلون. فإن سأل سائل، فقال ما الدليل على أن الأفعال مأخوذة من المصادر؟ قيل له في ذلك ثلاثة أوجه:
أولها: أن الفعل دال على مصدر وزمان والمصدر يدل على نفسه فقط، وقد علمنا أن المصدر أحد الشيئين اللذين دل عليهما الفعل وقد صح في الترتيب أن الواحد قبل الاثنين، فقد صح أن المصدر قبل الفعل؛ لأنه أحد الشيئين اللذين دل عليهما الفعل.
والوجه الثاني: أن الفعل يصاغ بأمثلة مختلفة، نحو " ضرب ويضرب واضرب " والمصدر في جميع ذلك واحد فصار المصدر هو الذي يصاغ منه أمثلة الفعل المختلفة؛ لأنه واحد يوجد فيها كلّها، ويبين ذلك أن الفضة والذهب وغيرهما، مما يصاغ منه الصور الكثيرة المختلفة أصل للصور لوجوده في كل واحد منها، وكذلك المصدر أصل الأفعال؛ لوجوده في كل واحد من أمثلتها المختلفة.
والوجه الثالث: أن الفعل أثقل من الاسم، وهو فرع عليه، من قبل أنه لا يقوم بنفسه، والفرع لا بد له من أصل يؤخذ منه، يكون حكم ذلك الأصل أن يكون قائما بنفسه، غير محتاج إلى سواه، فعلمنا بذلك أن الفعل فرع، ولا أصل له غير المصدر.
فإن قال قائل: إذا كان المصدر قد يعتل باعتلال الفعل ويصح بصحته، فهلا دلكم ذلك على أن المصدر فرع على الفعل الذي يعتل باعتلاله ويصح بصحته قيل له في ذلك جوابان: أحدهما: أن الأصل قد يعتل باعتلال الفرع إذا كان
كل واحد منهما يؤول إلى الآخر، وينبئ كل واحد منهما على صاحبه؛ ليتسق ولا يختلف؛ من ذلك أنا قد بنينا الفعل المضارع في فعل المؤنث نحو " يضربن " وأشباه ذلك على " ضربن "، وهو فرع؛ لأن المستقبل قبل الماضي. ومنه ما زعم " الفراء "، الذي ينازعنا أصحابه- في هذا الأصل- أن فعل الواحد الماضي فتح لانفتاح فعل الاثنين، والواحد أصل الاثنين، فحمل الأصل على الفرع.
والوجه الثاني، أن أصل المصادر التي لا علة فيها ولا زيادة لا يجيء إلا صحيحا، وهو " فعل " نحو " ضربته ضربا " و " وعدته وعدا ". وإنما يجيء معتلا ما لحقته الزيادة، وإنما الكلام في أصول المصادر، لا في فروعها، فتبين ذلك.