ألا ترى أنك لو قلت: أيهما عندك؟ لم يستقم إلا على التكرير (والتوكيد) وبذلك على أن الآخر منقطع من الأول:
قول الرجل: إنها لإبل ثم يقول: (أم شاه يا قوم) فكما جاءت " أم " هاهنا بعد الخبر منقطعة فكذلك تجيء بعد الاستفهام.
وذلك أنه حين قال: أعمرو عندك؟ فقد ظن أنه عنده أدركه مثل ذلك الظن في " زيد " بعد أن استغنى كلامه.
ومثل ذلك: " أنها لإبل أم شاه " إنما أدركه الشك حين مضى كلامه على اليقين وبمنزلة " أم " هاهنا قوله عز وجل: الم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ (1).
فجاء هذا على كلام العرب (ليعرفوا ضلالتهم).
ومثل ذلك: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ
... (2).
كأن فرعون قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء.
فقوله: " أم أنا خير " بمنزلة قوله: أم أنتم بصراء لأنهم لو قالوا: أنت خير منه كان بمنزلة قولهم: " نحن بصراء
عنده ".
ومثل ذلك قوله عز وجل: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (3).
فقد علم النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون أن الله عز وجل لم يتخذ ولدا. ولكنه جاء على حرف الاستفهام ليبصروا ضلالتهم.
ألا ترى أن الرجل يقول للرجل: " السعادة أحب إليك أم الشقاء " وقد علم أن السعادة أحب إليه وأن المسئول سيقول: السعادة. ولكنه أراد أن يبصر صاحبه ومن ذلك: أعندك زيد أم لا؟ كأنه حين قال: أعندك زيد؟ كان يظن أنه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه ليس عنده فقال: أم لا؟