ودخل " منذ "، " وحيث " في هذا؛ لأنه كان من حق " حيث " أن يضاف لما بعده في حال. وقد يرفع ما بعده كقولك: ما رأيته منذ يوم الجمعة، ومنذ يوم الجمعة، فإذا رفعت ما بعدها فقد منعتها الإضافة، فوجب بناؤها على الضم للغاية، ثم أجروا الخافضة مجراها، وقد يجوز أن يكون الضم للاتباع، اتبعوا حركة الذال حركة الميم كما قالوا: " ردّ "، وذكر في " عل " ما تقدم مما ذكرناه في أول الكتاب.
قال: وسألت الخليل عن قولهم: مذ عام أول، ومذ عام أول فقال: " أول " هاهنا صفة، وهو أفعل من عامك، ولكنهم ألزموه هاهنا الحذف استخفافا، فجعلوا هذا الحرف بمنزلة أفعل منك.
قال أبو سعيد: اعلم أن " أفعل " إذا جعل نعتا وليس أنثاه فعلاء، فإنه يلزمه منك كقولك: مررت برجل أفضل منك.
وأول نعت لعام، والتقدير فيه أول من عامك، كما تقول: أقدم من عامك، فحذفوا " من "، كما قالوا: زيد أفضل، ويحذفون " من " إلا أنه يكثر في زيد أفضل منك إظهار منك، وإن كان يجوز الحذف، ويكثر في عام أول حذف " من " وإن كان يجوز الإظهار، والدليل على جواز إظهاره أنك تقول: ما رأيتك منذ أول من أمس، وفيه مع هذا حذف آخر، وذلك أنك إذا قلت: ما رأيته منذ عام أول؛ فالمعنى أنه منذ عام أول يلي عامك هذا؛ لأن كل ما مضي من السنين فهو أول لتقدمها، ولولا هذا التقدير لم يكن العام الذي قيل عامنا أولى به من السنين الماضية.
وكذلك قولنا: ما رأيته منذ أول من أمس، يريد من اليوم الذي يليه أمس، والكلام على ظاهره يحتمل أن يكون كل يوم تقدم أمس.
قال سيبويه: " وقد جعلوا " أول " بمنزلة " أفعل " وذلك قول العرب ما تركت له أولا ولا آخرا.
فهذا ليس يقدر فيه " من " وهو بمنزلة قولك: ما رأيت له قديما ولا حديثا، فقد جاز في " أول " أن يكون صفة واسما وعلى أي الوجهين سميت به رجلا فهو لا ينصرف لاجتماع وزن الفعل والتعريف فيه.
قال: وسألته عن قول بعض العرب وهو قليل: مذ عام أول فقال: جعلوه ظرفا في هذا الموضع، وكأنه قال: مذ عام قبل عامك.