اعلم أن الاسم لمعنى الاسمية فيه يستحق الحركات الثلاث، ويستحق التنوين أيضا، وقد تقدم في أول تفسير علة ذلك، ثم يعتور الأسماء بعد ذلك معان مختلفة، يحدث ذلك فيها نقصانا عن تمكنها، وتلك المعاني على ثلاثة أقسام؛ فقسم منها ينزلها منزلة الحروف فتوجب لها البناء نحو قولك: " يا حكم " و " من قبل " و " من بعد " و " من " و " كم "، وقد استقصينا ذلك في أول التفسير.
والقسم الثاني: أن يدخل عليه ما لا يغيره عن تمكنه، كقولك: " زيد قائم " و " مررت برجل قائم " و " هذه امرأة "، ف " زيد " لم يثقل لفظه بما دخل عليه من التعريف فقط، وبقي على تمكنه، و " قائم " لم يثقل بأن كان نعتا فقط، والنعت فرع، و " المرأة " لم تثقل بأن كانت مؤنثة فقط.
والقسم الثالث: وهو الذي قصدنا له، دخلت عليه من حوادث الأشياء ما أحله محمل الفعل المضارع في منع الجر والتنوين، ولم يمنعه الإعراب البتة، كما كان في القسم الأول.
وجملة ما يمنع الصرف، وينزل الاسم منزلة الفعل المضارع، هي تسع علل:
التأنيث، والصفة، والجمع، ووزن الفعل، والعدل، والعجمة، وأن يجعل الاسمان اسما واحدا، والتعريف، وشبه التأنيث باللفظ والزيادة، فهذه التسع العلل متى اجتمع منها ثنتان فصاعدا، أو واحدة في معنى ثنتين، امتنع الاسم من الصرف، ولم يلحقه جر ولا تنوين، وإنما كانت هذه عللا حادثة من قبل أن الواحد قبل الجمع من غير وجه؛ من
ذلك أن الجمع مركب من الواحد، فالواحد أصل له، ومنها أن الواحد يدل على العدد والجنس، كقولك " رجل " وكذلك الاثنان كقولك: " رجلان "، وإذا جمعت فقلت: " رجال " دل على الجنس، ولم يدل على العدد، فالواحد أخف من الجمع؛ لأن الجمع يحتاج إلى معنى ثان يكشف عدده، والصفة أثقل من الاسم الذي ليس بصفة؛ لأن الصفة لا تكون صفة حتى يكون فيها معنى الفعل، والفعل فرع على الاسم والاسم قبله، وذلك قولك:
" مررت برجل قائم " و " رأيت رجلا منطلقا " وهو في معنى " يقوم " و " ينطلق "، ويدل أيضا على ذلك أن الصفة لا تحسن إلا أن يتقدمها الاسم، ألا ترى أنك إذا قلت: " جاءني طويل "، لم يكن في حسن " جاءني رجل طويل "، فاحتياج الصفة إلى تقدم الاسم حتى يحسن، كاحتياج الفعل إلى الاسم حتى يجوز.