ويقال لمن يخالف هذا: أخبرنا عن قولهم: " عليهم " و " عليهم " و " عليهمو " و " عليهمو " و " عليهمى "، هل هذه الألفاظ المختلفة لشيء واحد، أو لأشياء؟ فإن قال لأشياء، فينبغي أن يكون الضمير العائد في " عليهم " يعود إلى قوم غير الذين عاد إليهم الضمير في " عليهم "، وهذا ما لا أظن أحدا يستجيزه؛ لأن الضمير يعود إلى ما تقدم وهم قوم بأعيانهم. ويلزمه أيضا أن تكون سائر اللغات في " عليهم " يختلف القوم الذين يعود إليهم الضمير.
وأما الذي عاب العرب في جعل المتفقين لمعنيين مختلفين، فهو المعيب عليه في عيبه، وذلك أنّا قد بيّنّا أن العرب لحاجتها إلى اتفاق القوافي في شعرها وانتظام السجع في خطبها وكلامها، جعلوا الإعراب دالا على معانيها باختلاف الحركات، فقدّموا وأخّروا للتوسيع في الكلام، وكذلك أيضا جعلوا للشيء الواحد أسماء، وللشيئين المختلفين لفظا واحدا، ولم يقتصروا على ذلك الاسم فقط حتى لا يكون للمعنيين المختلفين اسم غير هذا الواحد، ألا ترى أنّا إذا قلنا " العين " التي يبصر بها، وقلنا " العين " السحابة التي تنشأ من القبلة، فقد عبرنا عنها بلفظ آخر،
وقد عبرنا عنها بالعين، وكل ذلك فعلته العرب، لما ذكرنا فاعرف ذلك إن شاء الله.
وفي الباب من كلام غير سيبويه ما قد أتينا على شرحه، وبالله التوفيق.
هذا باب ما يكون في اللفظ من الأعراضقال أبو سعيد: قوله: " من الأعراض " يعني ما يعرض في الكلام، فيجيء على غير ما ينبغي أن يكون عليه قياسه.
قال سيبويه: " اعلم أنهم مما يحذفون الكلم، وإن كان أصله في الكلام غير ذلك، ويحذفون ويعوضون، ويستغنون بالشيء عن الشيء الذي أصله في كلامهم أن يستعمل حتى يصير ساقطا، وسترى ذلك في بابه إن شاء الله ".
قال أبو سعيد: قوله: " مما يحذفون " أراد ربما يحذفون، وهو يستعمل هذه الكلمة كثيرا في كتابه، والعرب تقول: " أنت مما تفعل كذا " أي ربّما تفعل، وتقول العرب أيضا: " أنت مما أن تفعل كذا " أي من الأمر أن تفعل، فتكون " ما " بمنزلة الأمر، و " أن تفعل " بمنزلة الفعل ويكون " أن تفعل " في موضع رفع بالابتداء، وخبره " مما " وتقدير:
" أنت فعلك كذا وكذا من الأمر الذي تفعله ".