فطافت ثلاثا بين يوم وليلة
… وكان النكير أن تضيف وتجأرا (1)
قال أبو سعيد: اعلم أن الأيام والليالي إذا اجتمعت غلب التأنيث على التذكير وهو على خلاف المعروف من غلبة التذكير على التأنيث في عامة الأشياء.
والسبب في ذلك أن ابتداء الأيام الليالي؛ لأن دخول الشهر الجديد من شهور العرب برؤية الهلال والهلال يرى في أول الليل فتصير الليلة مع اليوم الذي بعدها يوما في حساب أيام الشهر والليلة هي السابقة فجرى الحكم لها في اللفظ.
فإذا أبهمت ولم تذكر الأيام ولا الليالي جرى اللفظ على التأنيث فقلت: (أقام زيد عندنا ثلاثا). تريد ثلاثة أيام وثلاث ليال، قال الله عز وجل: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً (2) يريد عشرة أيام مع الليالي فأجرى اللفظ على الليالي وأنث، ولذلك جرت العادة في التواريخ بالليالي، فيقال: (لخمس خلون) و (لخمس بقين) يريد لخمس ليال، وكذلك: " لاثنتي عشرة ليلة " خلت فلذلك قال: (سار خمس عشرة)، فجاء بها على تأنيث الليالي.
ثم وكد بقوله: (من بين يوم وليلة) ومثله قول النابغة:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة
ومعنى البيت أنه يصف بقرة وحشية فقدت ولدها فطافت ثلاث ليال وأيامها، تطلبه، ولم تقدر إن تنكر من الحال التي دفعت إليها أكثر من أن " تضيف " ومعناه تشفق، وتحذر، وتجأر
... معناه تصيح في طلبها له.
قال سيبويه: " وتقول: أعطاه خمسة عشر بين عبد وجارية " لا يكون في هذا إلا هذا " لأن المتكلم لا يجوز أن يقول له خمسة عشر عبدا فيعلم أن ثمّ من الجواري بعدتهم، ولا خمس عشرة جارية، فيعلم إن ثم من العبيد بعدتهن فلا يكون هذا إلا مختلطا يقع عليهم الاسم الذي بيّن به العدد "
قال أبو سعيد: بيّن الفرق بين هذا، وبين خمس عشرة ليلة، لأن خمس عشرة ليلة يعلم أن معها أياما بعدتها.