قال أبو سعيد: اعلم أن هذا الباب يسمى باب نقل الفعل عن فاعله وتصييره مفعولا، وذلك أن الفعل الثلاثي إذا أردت أن تجعل الفاعل فيه مفعولا جئت بفاعل أدخلته في ذلك الفعل، فيصير مفعولا، وعلامة نقل الفعل أن تزيد همزة في أوله، أو تشدّد عين الفعل، وزيادة الهمزة في أوله أكثر وأعمّ، فإن كان الفعل غير متعد تعدى إلى واحد، كقولك: ذهب زيد، وأذهب عمرو زيدا، وجلس زيد، وأجلس عمرو زيدا. وإن كان الفعل متعديا إلى مفعول صار بالنقل متعديا إلى مفعولين؛ لأن فاعله يصير مفعولا، كقولك: لبس الثوب، وألبست زيدا الثوب، ودخل زيد الدار، وأدخل عمرو زيدا الدار.
وإن كان متعديا إلى مفعولين تعدى بالنقل إلى ثلاثة، ولا يكون أكثر من ذلك، وذلك قولك: علم عمرا خارجا، ثم تقول: أعلم الله زيدا عمرا خارجا، وقد يجوز أن يكون الفعل يصير فاعله مفعولا على غير لفظ النقل الذي ذكرته لك، وذلك قولك: زاد مالك، وزاد الله مالك، وشحا فوك، وشحا عمرو فا زيد. وقد يجوز أن يدخل أفعل وفعّل على غير وجه النقل، وسنبيّن لك تصرّف وجوه ذلك من كلام سيبويه إن شاء الله.
قال سيبويه: " فأما طردته فنّحيته، وأطردته جعلته طريدا "
يعني أن أطردته ليس بنقل لطردته، " وطردت الكلاب الصيد، أي جعلت تنحيّه.
ويقال: طلعت أي بدوت وطلعت الشمس أي بدت، وأطلعت عليهم أي هجمت عليهم، وشرقت الشمس بدت وأشرقت: أضاءت، وأسرع: عجل، وأبطأ: احتبس. وأما سرع وبطؤ فكأنهما غريزة كقولهم: خفّ وثقل، ولا تنفذهما إلى شيء، كما تقول: طوّلت الأمر وعجّلته. يعني أن أسرع وأبطأ لا يتعديان، وإن كانا على أفعل، ثم فضّل بينهما وبين سرع وبطؤ وإن كان ذلك كله لا يتعدى بأن قال: " سرع وبطؤ كأنهما غريزة "، أي صار طبعه الإسراع والإبطاء، وفي أسرع وأبطأ ليس بطبع. وقوله: " ولا تنفذهما إلى شيء " يعني لا يتعدى أسرع وأبطأ، كما يتعدى طوّلت الأمر وعجّلته.
" ويقولون: فتن الرجل وفتنته، وحزن وحزنته، ورجع ورجعته، وزعم الخليل أنك حيث قلت فتنته وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا، وجعلته فاتنا، كما أنك حين قلت أدخلته وجعلته داخلا، ولكنك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة فقلت: فتنته، كما قلت: كحلته جعلت فيه كحلا، ودهنته جعلت فيه دهنا "
قال أبو سعيد: مذهب سيبويه أن أفعلته الذي للنقل معناه جعلته فاعلا للفعل الذي كان له، أي صيّرته فاعلا، وفعلته أي جعلت فيه ذلك الفعل. فإذا قلت: أدخلته أي جعلته