يعني سيبويه أن مفعالا وفعولا إن كان فيهما معنى المبالغة فليس يجري مجرى أفعل في تصرفه في المواضع الأربعة التي ذكرناها وإنما هي في معنى ما أفعله في المبالغة. قال:
" وأما قولهم في الأحمق ما أحمقه وفي الأرعن ما أرعنه، وفي الأنوك ما أنوكه، وفي الألد ما ألدّه، فإنما هذا عندهم من العلم ونقصان العقل والفطنة، فصارت " ما ألدّه " بمنزلة ما أمرسه وما أعلمه، وصارت " ما أحمقه " بمنزلة ما أبلده، وما أشجعه وما أجنّه، لأن هذا ليس بلون ولا خلقة في جسد، وإنما هو كقولك ما ألسنه وما أذكره وما أعرفه وأنظره، تريد نظر التفكّر، وما أشنعه؛ لأنه عندهم من القبح وليس بلون ولا خلقة من الجسد ولا نقصان فيه، فألحقوه بباب القبح كما ألحقوا ألدّ وأحمق بما ذكرت لك؛ لأن أصل بناء أحمق ونحوه أن يكون على غير بناء أفعل، نحو: بليد وعظيم وجاهل وعاقل وفهم وحصيف، وكذلك الأهوج، تقول: " ما أهوجه " كقولك " ما أجنّه ".
قال أبو سعيد: اعلم أن سيبويه لما ذكر أحمر وأبيض وما كان من أفعل لونا وخلقة فأبطل فيه التعجب ذكر ما كان على أفعل مما لا يجوز فيه التعجب، وفصل بينه وبين ما كان لونا وخلقة ونقصا وشينا في الأعضاء كالعرج والعشا والعمى والعور، فذكر الأحمق والأنوك والأرعن فجعل ذلك بمنزلة الجهل، وأنه كان حقه في الأصل أن يجيء مثل بليد وجاهل.
وما كان من العقل نحو ألد وهو الشديد الخصومة بمنزلة العقل واللسن وما أشبه ذلك، فأجاز فيهما التعجب كما تقول: ما أبلده وما أجهله، وما جرى مجرى الفعل ما أشجعه وألسنه، وشبه قولهم ما هو أهوجه بقولك: ما أجنّه.
ولقائل أن يقول: وكيف جاز أن يقال: ما أجنّه وأصل فعله ما لم يسمّ فاعله كقولك: جنّ ولا يتعجب مما لم يسمّ فاعله؟
فالجواب أن ذلك جائز في أشياء تذكر وتشرح في الباب الثالث من هذا إن شاء الله تعالى.
هذا باب ما يستغنى فيه عن ما أفعله بما أفعل فعله وعن أفعل منه بقولهم هو أفعل منه فعلا كما استغني
بتركت عن ودعت، وكما استغني بنسوة عن أن يجمعوا المرأة على لفظها" وذلك في الجواب، ألا ترى أنك لا تقول ما أجوبه، إنما تقول: ما أجود جوابه، ولا تقول " هذا أجوب منه جوابا " ونحو ذلك، وكذلك لا تقول أجوب به ولكن