حرفا من حروف المدّ واللّين، فيحذف من الواحد حرف، حتى يبقى الاسم على أربعة أحرف، ثم يجمع، فإذا جمع فأنت مخيّر بين التّعويض من المحذوف، وبين تركه؛ فمن ذلك أنك إذا جمعت " فرزدق " حذفت القاف منه؛ لأنه على خمسة أحرف، فبقى " فرزد " فتجمعه على " فرازد "، وإن شئت عوّضت من القاف المحذوفة الياء، فقلت: " فرازيد "، وكذلك لو جمعت " منطلق " جمع التكسير، لجاز أن تقول: " مطالق " و " مطاليق " تعوّض الياء من النون المحذوفة في " منطلق ".
فإذا اضطر الشاعر زاد هذه الياء التي تزاد للتعويض، لأنهما جميعا ليس في أصلهما ياء فتكون الضرورة بمنزلة التعويض.
ومن ذلك أنهم يزيدون النّون الخفيفة والثقيلة في الشعر في غير الموضع الذي ينبغي أن تزاد فيه، وذلك أن موضع زيادتهما فيما لم يكن واجبا؛ مثل الأمر والنهي والاستفهام والجزاء، كقولك: " اضربنّ زيدا " و " لا تأتينّ بكرا " و " هل تقومنّ عندنا " و " إما تذهبنّ أذهب معك " و " لئن أتيتني لأكرمنّك ".
ولا يجوز أن تقول: " أنا أقومنّ إليك " لأن هذا واجب، وقد قال الشاعر؛ ويقال إنّه لجذيمة الأبرش:
ربّما أوفيت في علم
… ترفعن ثوبي شمالات
في فتوّ أنا رابئهم
… من كلال غزوة ماتوا (1)
فأدخل النون في " ترفعن " وهي واجبة.
وقال بعض النحويين: إنما أدخلها في الموضع بسبب " ما "؛ لأنها في لفظ " ما " الجحد، فأشبهت- وإن كانت موجبة- المنفيّ لفظا.
قال أبو سعيد: وعندي فيه وجه آخر، وهو أن " ربّ " تدخل للتقليل، وما كان مقلّلا فهو كالمنفي، حتى أنهم يستعملون " قلّ " في معنى ليس؛ قال:
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة
… قليل بها الأصوات إلا بغامها (2)
أي ليس بها صوت إلا بغامها، فلما أشبهت " ربّ " بالتقليل الذي فيها المنفيّ،