كان لام الفعل حرفا من هذه الحروف الثلاثة الزاي والدال والذال كقولهم: " فزد " في معنى " فزت " يشبهون هذه التاء بتاء افتعل وليس هذا بالكثير، لأن تاء افتعل من نفس الحرف لأنها اسم الفعل. وذكر بدل الميم.
فقال: " تكون بدلا من النون في العنبر وشنباء، وكذلك كل نون ساكنة إذا كان بعدها باء فإنها تنقلب ميما، ولو رام أحد إلا يجعلها ميما ويخرجها نونا لشق عليها ذلك، وذلك أن النون الساكنة مخرجها من الخيشوم وليس لها تصرف في الفم إلا أن يتكلف متكلف إخراجها من الفم وذلك مع حروف الحلق لأن النون الساكنة تبينها حروف الحلق، فلما كانت النون بهذه الصورة وكانت الباء حرفا شديد اللزوم لموضعه نبت النون عن الباء نبوا شديدا، فجعل مكانها ميما لأن الميم متوسطة بين الباء والنون مشابهة لهما، وذلك أنهما من مخرج الباء وفيها غنة
تشاكل بها النون، فتوسطت بينهما، لذلك قال: " وتكون الميم بدلا من الواو في فم وذلك قليل ".
يعني أن بدل الميم من الواو قليل.
قال: " كم أن بدل الهمزة من الهاء في ماء ونحوه قليل ".
يعني أن الأصل في فم فوه، أسقطوا الهاء فبقي فو فأبدلوا منها ميما لأن الميم من مخرج الواو، ولأنه لا يجوز التكلم بفو، لأنه ليس في الأسماء المعربة اسم على حرفين، والثاني منهما حرف مد ولين لعلة تقف عليها، فاختاروا بدل الواو حرفا من مخرجه يصح فيه الإعراب والتنوين وهو الميم ويروى عن الأخفش أنه قال: الميم في فم بدل من الهاء، فاستدل على ذلك بان المنقوص منه حرف إذا اضطر الشاعر رد ذلك الحرف إليه، كما قال:
لا تقلواها وادلواها دلوا
… إن مع اليوم أخاه غدوا
فاضطر فردّ الواو إلى غد لأنها هي الذاهبة منه، فلما رد الشاعر إلى فم في التثنية الواو مع كون الميم فقال:
هما نفثا في فيّ من فمويهما
… على النّابع الغاوى أشّد رجام (1)
علمنا أن الذاهب من فم الواو لرد الشاعر لها، فإذا كان الذاهب هو الواو وجب أن تكون الميم بدلا من الهاء. وأما ماء فالأصل فيه موه، فقلبوا الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار ماه، ثم قلبوا الهاء همزة لأنهما من موضع واحد فقالوا ماء، والدليل على أن