وذلك أن قولنا: هذا قاض ورام وغاز، إنما حذفت منه الياء؛ لأنها سكنت لاستثقال الضم والكسر عليها، ولقيت التنوين، وهو ساكن، فسقطت لالتقاء الساكنين، فإذا أضيف زال التنوين، فعادت الياء، غير أن الشاعر إذا اضطرّ حذفها تشبها بحذفهم لها مع التنوين، وذلك أن التنوين والإضافة يتعاقبان، فكلّ واحد منهما يشبه صاحبه في
النيابة عنه والقيام مقامه.
وقال خفاف:
كنواح ريش حمامة نجديّة
… ومسحت باللّثتين عصف الإثمد (1)
ويقال: إن هذا البيت مصنوع، وما وجدته في شعر خفاف.
وأما حذف الياء مع الألف واللام، فإن سيبويه قد ذكره في باب ضرورة الشاعر فأنكره كثير من الناس وقالوا: قد جاء في القرآن بحذف الياء في غير رؤوس الآي.
وقرأ به عدد من القراء كقوله تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (2) وفي آي غيرها. وما جاء في القرآن وقرأت به القراء لم يدخل مثله في ضرورة الشعر.
والذي أراد سيبويه عندي غير ما ذهبوا إليه، وذلك أن حذف الياء مما ذكرنا يتكلم به بعض العرب، والأكثر على إثباتها كما قال كثير:
على ابن العاصي دلاص حصينة
… أجاد المسدّى سردها وأذالها (3)
فأثبت الياء في " العاصي " فإنما أراد سيبويه أن الذين من لغتهم إثبات الياء يحذفونها للضرورة، تشبيها بالتنوين، إذ كانت الألف واللام والتنوين يتعاقبان.
ومن ذلك هاء الكناية المتصلة حكمها إذا اتصلت بحرف مفتوح أو مضموم أن تضم وتزاد عليها واو في الوصل كقولك: " رأيتهو " و " ضربت غلامهو يا فتى ".
وإذا اتصلت بحرف مكسور كان فيه وجهان: إن شئت ضممتها وألحقتها واوا، وإن شئت كسرتها وألحقتها ياء، كقولك " مررت بغلامهي وغلامهو يا فتى ".