عن مواضع اللؤلؤ. ومعنى يدوم الفرات فوقها ويموج، أي يسكن مرة ويهيج أخرى بالريح أو زيادة الماء.
وذكر بعض أهل اللغة أن هذا صحيح، وأن الأصمعي هو الغالط، وكيف يذهب هذا على أبي ذؤيب، وهو من هذيل، ومساكنهم جبال مكّة المطلّة على البحر ومواضع اللؤلؤ؟ وإنما أراد أبو ذؤيب بالفرات هاهنا ماء اللؤلؤة الذي قد علاها، وجعله فراتا؛ إذ كان أعلى المياه ما كان فراتا. وقوله: يدوم الفرات، أي يسكن ويموج، أي يضطرب، وإنما أراد أنه يسكن في عين النّاظر مرّة ويضطرب أخرى لصفائها وبريقها، وأن الماء هو ماء اللؤلؤة. وكقول امرئ القيس:
كبكر المقاناة البياض بصفرة
… غذاها نمير الماء غير محلّل (1)
ذكر بعض أهل اللغة أنّ " البكر " هاهنا الّلؤلؤة، وجعلها بكرا لأنها أول شيء يخرج من الصدف، وذكروا أنّ اللؤلؤة الكبيرة النفيسة تكون في طرف الصّدفة، فأول ما تشقّ تخرج، فلذلك سمّيت بكرا.
وأما قوله: " غذاها نمير الماء " - والنمير: العذب المشروب- فإنه لم يرد أنها في العذب المشروب، وإنما أراد أنّ ماء البحر الذي هي فيه غذاء لها، كغذاء الماء العذب لنا، والنمير: العذب، فماء البحر نميرها. وقوله " غير محلّل " أي لا يحلّه أحد مستوطنا مقيما.
وقد تبدل بعض العرب حروفا من حروف لا يجري ذلك مجرى الضرورة؛ لأنّ ذلك لغتهم كإبدال بني تميم العين من الهمزة.
كما قال ذو الرمة:
أعن ترسّمت من خرقاء منزلة
… ماء الصّبابة من عينيك مسجوم (2)
وإنما أراد: أأن ترسّمت.
وإنما يفعلون هذا في الهمزتين إذا اجتمعتا كراهية اجتماعهما. وهذا الذي نسميه عنعنة تميم. وربما أبدلوا من الهمزة الواحدة مع النون، وأكثر ذلك في " أن "؛ وسمّى " عنعنة " لاجتماع العين والنون، فركبوا منهما فعلا.